عندما تضطرب أحوال المجتمعات، ويصبح العنف أداة للحوار والتفاعل بين البشر، تطل الجرائم الغريبة والحوادث العجيبة بوجهها البشع فوق صفحات الميديا والسوشيال ميديا.
المجتمعات العربية تعانى هذه الحالة بصورة تختلف نسبياً من دولة إلى أخرى. فى الجزائر وقعت جريمة اغتصاب وقتل وحرق بشعة، راحت ضحيتها فتاة فى التاسعة عشرة من عمرها. الجريمة استفزت الشارع الجزائرى ودفعته إلى الخروج والمطالبة بإعادة النظر فى القوانين التى تحمى المرأة، ومراجعة مسألة إلغاء عقوبة الإعدام. تونس أيضاً شهدت جرائم مماثلة، وكذلك المغرب. ولو أنك يممت صوب المشرق العربى فستجد حوادث أقرب تفرض نفسها على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماع.
هل نحن أمام حالة عربية؟. لا نستطيع قول ذلك. فمثل هذه الجرائم تقع داخل العديد من دول العالم، لكن يمكننا القول إننا أمام حالة تتمدد وتتوسع فى العالم العربى. حالة أصبح العنف معها مبرراً ضد الحلقات الأضعف داخل المجتمع. تجد شواهد على ذلك فى العنف الموجه ضد المرأة، أو ضد الأطفال، أو ضد الطبقات الأقل حظاً على المستوى الاجتماعى والاقتصادى، أو حتى ضد البشر الأقل حظاً على مستوى الصحة البدنية.
فكل من يمتلك أدوات قوة -أياً كان نوعها- أصبح يترخص فى استخدامها فى قهر من يشعر أنه أضعف. والمسألة لم تعد تتوقف عند مجرد التغلب على الآخر، بل بدأت تنحو فى اتجاهات بشعة، تأخذ فى أحيان شكل السحق أو السحل أو حرق الجثث، كما حدث مع ضحية «مجرم الجزائر».
جزء من تمدد حالة العنف داخل واقعنا العربى تجدها أيضاً فى اتجاه البعض نحو «تبرير العنف» أو تسويغه لأسباب لا تعبر إلا عن نوع من التفاهة العقلية والانحطاط النفسى. بعض رواد التواصل الاجتماعى فى عالمنا العربى يبررون الإجرام الذكورى إزاء الإناث بعدم ارتداء الحجاب، أو بطبيعة الأزياء التى ترتديها الفتاة. ذلك هو القبح بعينه!.
العنف جزء من الحياة منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الأرض ومن عليها، لكنه تحول إلى جزء من «الثقافة العامة» لدى العربى، سواء على مستوى الترخص فى ممارسته ضد من هو أضعف، أو على مستوى تبريره، والاتجاه إلى «لوم الضحية»، بدلاً من الدعوة إلى الأخذ على يد الجانى.
إنها حالة مرضية تسيطر على العقل العربى، وتدفعه -من كثرة ما عاش من ممارسات ظالمة- إلى توهم أن «القوى يمكن أن يفلت بجريمته» لا لشىء إلا لأنه يمتلك أدوات قهر الآخرين. إن ذلك يعنى أن العقل العربى يتبنى مفهوماً شديد البدائية للقوة، وقد أصبح من الضرورى أن يعيد النظر فيه، قبل فوات الأوان، لأن العنف القريب ينذر بما هو أبعد.
قديماً قال «ابن خلدون»: «العدل أساس العمران». بيئة العدل هى وحدها القادرة على إشاعة ثقافة أرقى، تعتمد على مفاهيم الصواب والخطأ، والثواب والعقاب، والحق والباطل، ما يؤدى إلى حياة أكثر استقراراً، أما الاستقواء على الأضعف فيؤدى إلى عنف عام لن ينجو من غائلته أحد.
على العرب أن يفهموا أن المسألة أكبر من جريمة صارت تتكرر.. المسألة فى «ثقافة» تدعم العنف بل وتبرره.