كان رئيساً لهيئة أركان الجيش ثم تولى منصب وزير الخارجية، كان الزمان 1947، وتحديداً يوم 5 يونيو، وكانت المناسبة طرحه لمشروعه لإعادة إعمار أوروبا، بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية، إنه الجنرال جورج مارشال، القائد الأمريكى الذى صار اسمه عنوان المشروع، ولم يكن المشروع مجرد برنامج مساعدات، بل اعتمد على تحفيز الأوروبيين على أن يفكروا ويتصرفوا فى اتجاه العمل الجاد والشاق لإقالة بلادهم من عثرتها.
أكد «مارشال» أن مشروعه المؤسس على المساعدات الأمريكية لن يكون مشروطاً بمواقف أيديولوجية، أو بفرض شروط أو تصورات أمريكية؛ لذا فقد دعا الأوروبيين إلى الاتفاق معاً على ما يحتاجون إليه وخططهم فى ترجمة إعادة الإعمار، وأكد «مارشال» أنه يتعين على الأوروبيين أن يعملوا معاً وأنه يجب السعى للحصول على «علاج وليس على مُسكّن».
وعلينا، ونحن نسعى لإزالة آثار ما قبل 30 يونيو وما بعدها بامتداد عقود خلت، أن نتعامل بالجدية المطلوبة مع المقترح العربى بشأن مؤتمر الدول المانحة لمساعدة مصر للخروج من أزمتها التى خلفتها النظم الفاشية الغاربة، بحيث تُترجم إلى خطط موقعة على برامج زمنية فى توازٍ مع علاج اختلالات المجتمع التى جرفت قيمنا وسعت لتفكيك اندماجنا الوطنى، والتركيز على إعادة الاعتبار لقيم العمل والمهنية والإجادة والالتزام، عبر التشريعات التى تضبط إيقاع المجتمع.
وإذا كان محمد على قد أسس مشروعه بتأسيس الدولة المصرية الحديثة بابتعاث كوكبة من الشباب المصرى إلى بلدان أوروبا، وبعودتهم أطلقوا شارة البدء فى إعمار العقل والفكر المصرى ونقلوا خبراتهم، فما أحوجنا اليوم لإعادة إنتاج تجربته، ولكن باتجاه الشرق؛ حيث بلدان جنوب شرق آسيا، خاصة الهند التى تقترب من ظروفنا ومعاناتنا، وكانت يوماً ترى فى الثورة المصرية 1919 إضاءات دعمت كفاحها ضد المستعمر، كما أقر بذلك الزعيم غاندى، وعندما أرادت أن تنفض غبار التخلف وتلحق بمواكب التقدم عقدت اتفاقاً مع رجال الأعمال الهنود الوطنيين بتبنى رعاية المتميزين من طلابها وتحمل أعباء وتكاليف دراستهم فى الغرب، وقد ذهبوا إلى «وادى السليكون» بولاية كاليفورنيا، التجمع الأكاديمى الصناعى الأمريكى المتخصص فى البرمجيات، ليعودوا بعد سنوات ويحاكوا مثله فى الهند وتقفز بلادهم لتصبح من المنافسين على قمة هذه الصناعات وتمثل أحد أهم مدخلات الاقتصاد عندهم، بل وتدخل النادى النووى بقوة، ظنى أن إدراك رجال الأعمال لدورهم المجتمعى، الذى سيعود إليهم بمزيد من الاستثمارات على المديين المتوسط والبعيد، صار ضرورة قومية، بالتوازى مع إدراك الحكومة المصرية لأهمية مراجعة المناخ الاستثمارى بجسارة تتجاوز الطرق التقليدية، وتوفير مناخ الثقة بين أطراف المعادلة الاقتصادية.
يبقى أن التعليم هو حجر الزاوية الذى يقوم عليه البناء بجملته، وهو يحتاج إلى قراءة أكثر معاصرة، بطرق غير تقليدية، وربما يكون بحاجة إلى مؤتمر قومى يمارس عصفاً ذهنياً يستحضر تجارب الدول التى سبقتنا إليه؛ الهند والبرازيل من العالم الثالث، والولايات المتحدة التى تراجع واقعها على المستهدف بشفافية ومكاشفة بدأت منذ الثمانينات من القرن الماضى عندما شكلت لجنة فيدرالية «أمة فى خطر» وما زالت تطور رؤيتها تأسيساً على متابعة جادة واقعية، نحتاج إلى مراجعة التنوع غير المبرر لأنظمة التعليم الذى يؤدى إلى تعدد مخرجاتها التى تدعم التنافر المجتمعى وفى بعضها تنتج أحادية لا تتفاعل مع التنوع والتعدد، وتكرس الكراهية.