وزير الأوقاف: لن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا
وزير الأوقاف
قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن الوطن والحفاظ عليه أحد أهم الكليات الست التي يجب الحفاظ عليها والتي أحاطها الشرع الشريف بعناية بالغة وعمل على صيانتها وهي: "الدين، والوطن، والنفس، والعرض، والمال، والعقل، والنسل"، وقد أجمع الفقهاء قديمًا وحديثًا على أنه إذا دخل العدو بلدًا من بلاد المسلمين وجب على أهل هذه البلدة أن يهبوا جميعًا للدفاع عن وطنهم ولو فنوا جميعًا في سبيل ذلك، ومن قُتل منهم في سبيل ذلك فهو شهيد، ولَم يقل أحد على الإطلاق إنهم إذا غلبهم العدو وخشوا على أنفسهم من الهلاك فروا من الهلاك ونجوا بأنفسهم لينشروا الدين في مكان آخر، فالدين لا ينشأ في الهواء الطلق، إذ لا بد له من وطن يحمله ويحميه، فالمشردون لا يقيمون دينًا ولا دولة، ولن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا، فإن تفوقنا في أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا، فدورنا هو عمارة الدنيا بالدين وليس تخريبها ولا تدميرها باسم الدين، فالأديان كلها رحمة، وحيث تكون المصلحة المعتبرة للبلاد والعباد فثمة شرع الله الحنيف.
وأضاف جمعة في كلمة ألقاها بالجلسة الافتتاحية العلمية بالمؤتمر الدولي الذي عُقد بالخرطوم اليوم السبت تحت عنوان "الإسلام والتجديد بين الأصل والعصر"، أن مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، فكل ما يؤدي إلى قوة الدولة والحفاظ عليها وعلى تماسك بنائها ورقيها وتقدمها هو من صميم مقاصد الأديان ومراميها وغاياتها، وكل ما يؤدي إلى النيل من الوطن أو زعزعة أمنه أو استقراره لا علاقة له بالأديان ولا علاقة للأديان به، وكل الأديان منه براء، وقد قالوا: "رجل فقير في دولة غنية قوية خير من رجل غني في دولة فقيرة ضعيفة؛ لأن الأول له وطن يحمله ويحميه والآخر لا سند له في الداخل ولا في الخارج".
وتابع "أما فيما يتصل بقضية التجديد بين الأصل والعصر فأؤكد أن هذا الموضوع شديد الاتزان والتوازن بين الحفاظ على الثوابت وفهم طبيعة المتغيرات، فإنزال الثابت منزلة المتغير هدم للثوابت، وإنزال المتغير منزلة الثابت طريق الجمود والتشدد والتطرف، مع تأكيدنا أننا لن نستطيع أن نقضي على التشدد والتطرف ونقتلعه من جذوره إلا إذا واجهنا الانحراف والتسيب بنفس القوة والحزم، فما أمر الله بأمر في الإسلام إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى جهتين لا يبالي أيهما أصاب الإفراط أو التفريط، غاية ما في الأمر أننا في حاجة ملحة إلى إعمال العقل في فهم صحيح النص، وعدم الوقوف عند آليات الحفظ والتلقين بالتحول إلى آليات الفهم والتحليل، يقول ابن القيم: "وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِمُجَرَّدِ الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَلَى اخْتِلَافِ عُرْفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَأَمْكِنَتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ".
وختم الوزير بالحديث عن فلسفة نظام الحكم، مؤكداً أن الإسلام لم يضع قالبًا جامدًا صامتًا محددًا لنظام الحكم لا يمكن الخروج عنه، وإنمـا وضع أسسًا ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيدًا يُقـرّه الإسلام ، ومتى اختلّت أصاب الحكم من الخلل والاضطراب بمقدار اختلالها، ولعل العنوان الأهم الأبرز لنظام أي حكم رشيد هو مدى تحقيقه لمصالح البلاد والعباد، وعلى أقل تقدير مدى عمله لذلك وسعيه إليه، فأي حكم يسعى إلى تحقيق مصالح البلاد والعباد في ضوء معاني العدل والمساواة والحرية المنضبطة، بعيدًا عن الفوضى والمحسوبية وتقديم الولاء على الكفاءة، فهو حكم رشيد معتبر.
وشارك في المؤتمر الفريق محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس السيادي، نصر الدين مفرح أحمد، وزير الشؤون الدينية والأوقاف بالسودان، والدكتور عبدالرحيم آدم محمد، رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالسودان، والزبير محمد علي، مدير مركز الرعاية والتحصين الفكري، والسفير حسام عيسى، سفير مصر بالسودان، ولفيف من الوزراء والسفراء وأساتذة الجامعات والعلماء والتنفيذيين وقيادات المجلس السيادي بالسودان الشقيق، ونحو خمسمائة عالم وباحث ومفكر وأكاديمي وإعلامي ، ولفيف من الشخصيات الدينية والعامة.