تصريح طريف صدر من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى المناظرة الأخيرة التى تمّت بينه وبين منافسه بايدن.. فبينما يتحدث المنافس عن الإجراءات التى اتخذتها الولايات المتحدة فى أزمة تفشى فيروس كوفيد.. وينتقد بعض ردود فعل الحكومة الأمريكية فى تلك الأزمة.. يرد الرئيس الأمريكى عليه بقوله «نثق فى قوة الجهاز المناعى البشرى».. ليصبح ذلك التصريح أكبر دعم تلقاه جهاز من أجهزة الجسم فى التاريخ..!
البعض تعامل مع تصريح الرئيس الأمريكى كأنه طرفة حاول بها تخفيف حدة المناظرة.. لكنه فى نظر معظم أطباء العالم يبدو وكأنه أصدق ما قيل فى تلك المناظرة الساخنة.. بل أصدق ما قيل فى أزمة كوفيد بأكملها منذ أن ظهر على ظهر هذا الكوكب فى فبراير الماضى..!
ما زالت الموجة الثانية تجتاح أوروبا فى عنف لم يحدث حتى فى الموجة الأولى.. الأرقام تزداد كل يوم باطراد مرعب.. يتوقع الأمريكيون أنها ستصلهم فى غضون أسبوعين من الآن إذا ما طبّقوا نفس الجدول الزمنى للموجة الأولى.. التشيك التى كانت نموذجاً يُمكن الاحتذاء به فى الموجة الأولى بعدد حالات لم يتجاوز الثلاثمائة حالة وعدد وفيات أقل من عشرة يومياً تعانى بشدة من شراسة الموجة الثانية بعدد حالات تجاوز العشرة آلاف يومياً وعدد وفيات تجاوز السبعين فى اليوم الواحد..!
لم تسلم دولة واحدة فى العالم حتى الآن من هذا اللعين الذى لا يُرى بالعين المجردة.. الكل قد عانى ويعانى.. لذا فليس ترامب وحده الذى أصبح يراهن على قوة الجهاز المناعى البشرى.. فالعالم كله بات يتمنى الفوز بالرهان نفسه.. معظم اللقاحات ما زالت فى طريقها العلمى الرصين الذى لم ينتهِ بعد.. لقاح جامعة أوكسفورد ولقاح شركة مودرنا هما الأقرب للظهور حتى الآن.. البعض يتحدث عن وجودهما بشكل تجارى فى نهاية العام، رغم عدم وجود أى تأكيد رسمى لذلك.. اللقاح الروسى قد اختفى بنفس السرعة التى ظهر بها.. وبنفس الغموض الذى أحاط بتركيبته أو تقنية تصنيعه..!!
المشكلة أن اللقاحات ذاتها لن تكون هى الحل السحرى الذى سيقضى على الأزمة من جذورها كما يظن العالم كله أو كما تتوقع الأنظمة السياسية.. ففاعلية معظمها لن تتجاوز الستين بالمائة على أفضل التقديرات.. كما أن التحورات التى حدثت فى الفيروس نفسه خلال الفترة السابقة، التى قدرها علماء الفيروسات بأكثر من مائة ألف تحور لن تجعل اللقاحات -التى بدأت عليها الأبحاث منذ شهور وعلى نسخ سابقة- فعالة بالقدر الكافى..!
إن خروج لقاح لفيروس كوفيد للنور لن يصبح نهاية الأزمة.. لنتذكر أن جينير Jenner قد اكتشف لقاح الجدرى فى نهاية القرن الثامن عشر.. ولكن الأمر استغرق حتى منتصف ثمانينات القرن العشرين.. أى نحو قرنين من الزمن حتى صار بمقدورنا القول إننا وضعنا الجدرى تحت السيطرة.. أو أننا دحرناه واختفى تقريباً..!
لا حل سوى اعتماد نظام جديد لتلك الحياة.. نظام يعتمد على التباعد والعزلة ويضمن استمرارها فى الوقت نفسه دون إغلاق لن يتحمله أحد مرة أخرى.. نظام يحمل قناع الوجه والمطهرات ضمن أدواته الأولية.. فلم يعد هناك أمل لهذا الكوكب سوى فى جهاز المناعة البشرى.. والذى لا أعتقد أنه يثق فى نفسه بالشكل الذى يثق به الرئيس الأمريكى.. أو نثق نحن به.. أو هكذا أعتقد!!