الإفتاء: التواصل مع إعلام وسفراء الغرب لتصحيح المفاهيم الدينية
الدكتور شوقي علام
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن الأمانة منذ بداية أزمة الرسوم المسيئة لنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم وهي تعكف على دراسة الوضع بكافة جوانبه وتوابعه لوضع استراتيجية عملية ومجموعة من المبادرات التي تسهم في مواجهة هذه الأزمة وضمان عدم تكرارها.
وأكد علام أنّ الجناب النبوي الشريف مصان إسلاميا وإنسانيا بما له من فضل وكرامة عند الحق سبحانه وتعالى، وفي نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك عند المنصفين على اختلاف أديانهم وثقافتهم؛ باعتباره الأسوة الحسنة في عقيدة المسلمين، وهو صلى الله عليه وآله وسلم بلا شك أعظم الخالدين الذين تحول التاريخ على أيديهم بشهادة الجميع.
وأضاف أنّ التاريخ طالما أثبت بوار الحملات التي تهدف للنَّيل من جنابه صلى الله عليه وسلم وحبوطها، بل انقلابها إلى استشراف العالم الذي يتوق إلى التعرف على النبي صلى الله عليه وسلم ودراسة أخلاقه وسيرته.
وأشار علام إلى أنّ تاريخ الكراهية الذي بلغ في بعض العصور أن يكون حربًا باسم الدين لَيدعو الإنسانية إلى مواجهة أصول هذه الكراهية وفروعها، ويلح على العقلاء بتجفيف منابعها.
وفي إطار ذلك، أشاد "علام" بالموقف المنضبط للفاتيكان في نفيه تهمة الإرهاب عن الإسلام، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الفرنسي بالجمعية الوطنية بإعلانه أن الدين والثقافة الإسلامية جزء من التاريخ الفرنسي، لتضع حدًا فاصلًا يمنع التمادي الإرهابي الذي تسعى إليه جماعات العنف، بدعوى نصرة الإسلام.
وأضاف أنّ التطرف إنما ينطلق من فتوى شاذة، أو توجيه ديني ضال، أو تحيز ثقافي منحرف على اختلاف أطياف المتطرفين.
وتابع أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم قد رصدت مبكرًا -خلال الفترة السابقة- الأصولَ الإفتائية لمواقف المتطرفين، وأنشأت منذ أمد مراكزها البحثية لمواجهة كلا الخطرين: الإرهاب، والإسلاموفوبيا على السواء.
كما أبدى "علام" استنكار الأمانة لمحاولة التلاعب باسم حرية التعبير للعبث بمشاعر المؤمنين بالحرية وجرِّهم إلى إهانة شعور المسلمين في العالم، وكذلك استنكارها لظاهرة الصراخ الغوغائي والاستغلال الخبيث الخالي من الفقه الرشيد والخلق الحميد من طرف جماعات الشر المتطرفة، وكذلك من تلك الدول الممولة لها بهدف إيقاد نيران الفتنة أو تحقيق مكاسب اقتصادية تجارية رخيصة، أو تحقيق مصالح حزبية لصالح هذا الحزب أو ذاك تحت ستار الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع عدم اتخاذ موقف حضاري فاعل لا من الجماعات الإرهابية ولا من الدول المشار إليها لنصرة الرسالة المحمدية.
وأضاف أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العام إذ رصدت المواقف المتباينة من الأزمة لتمييز طيبها من خبيثها، فإنها تشيد بالموقف المصري الذي عبّرت عنه كلمة السيد رئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسي في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذي صدر من أعماق الوسطية المصرية مازجًا بين حفظ وتعظيم الجناب النبوي المبارك، واستنكار أية إساءة لمقامه الشريف صلى الله عليه وسلم، مقرونًا بالدعوة إلى إعادة صياغة مفهوم حق حرية التعبير، بحيث لا يتجاوز إلى الإساءة أو إهانة المقدسات والرموز، مع دعوة أتباع النبي صلى الله عليه سلم ومحبيه إلى تمثل هديه تمثلا مشرفًا أمام العالم في جوانب الأخلاق وتعمير الأرض؛ لتقديم الوجه الحضاري الصحيح للنبي والدين الحنيف.
وأعلن "علام" عن عدة مبادرات وخطوات عاجلة لاحتواء الأزمة وإدارتها في جانبها الإفتائي، حيث تمثلت هذه الخطوات في أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تعلن عن تضامنها ودعمها لاستصدار تشريع دولي يدين الإساءة للرموز الدينية وإهانة المقدسات.
وأضاف أن الأمانة ستعمل كذلك على إعادة العمل على مقررات مؤتمرها الدولي الأول: "التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة في العالم" والذي عقد لدراسة ظاهرة المراكز الإسلامية في الغرب، ومد يد العون لتأهيل قياداتها وتدريبهم على المنهج الوسطي الذي يوازن بين الالتزام بالثوابت الدينية والتحلي بالمواطنة الصالحة التي تجعل المسلمين عنصرًا فاعلًا في تحقيق الاستقرار المجتمعي في بلاد الغرب.
وأشار إلى أن الأمانة ستعمل على تنفيذ حُزمة من الإجراءات التنفيذية في الفترة القادمة على رأسها التواصل مع الإعلام العالمي والفرنسي على وجه الخصوص لنشر مقالات رأي حول الصورة الحقيقية للإسلام ورسالة الرحمة والسلام لنبي الرحمة، وكذلك توضيح وجهة النظر الإسلامية فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة، مثل: حرية التعبير وحدودها، ومن يحق له التحدث باسم الإسلام، والحوار بين الأديان والثقافات.
وتابع أن الأمانة ستعقد سلسلة من الندوات الإلكترونية التي يشارك فيها أعضاء الأمانة من مختلف أنحاء العالم لتكوين إجماع علمائي يتعاطى مع الأحداث ويهمِّش الأطراف التي تسعى إلى تأجيج الصراع.
وعلى الجانب الدبلوماسي، أشار "علام" إلى أن الأمانة ستقوم بالتواصل مع سفراء العالم والاتحاد الأوربي على وجه الخصوص، في مصر والدول الأعضاء بالأمانة لاتخاذ مواقف وإجراءات في جانب الوسطية الإفتائية وصيانة المقدسات الدينية، وإقامة سلسلة دورات تدريبية إلكترونية للمتصدرين للشأن الديني في فرنسا والاتحاد الأوربي، بالتعاون مع أعضاء الأمانة والقيادات الدينية هناك، بهدف تنمية مهاراتهم الإفتائية والتصدي لخطاب التطرف والكراهية.
وفي الجانب الأكاديمي، قال "علام"، إن الأمانة ستقوم بتكوين لجنة متخصصة لدراسة صورة الإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم في المناهج الغربية عامة وخاصة الفرنسية، ومحاولة البناء على مبادرات دولية تمت في هذا الصدد لتنقية هذه المناهج من مغالطات تاريخية كثيرة، وهي المغالطات التي ينشأ عليها أطفال الغرب وتقوي نزعة الإسلاموفوبيا لديهم، على غرار مبادرة تبنتها اليونسكو عام 2004.
كذلك ستعمل الأمانة على الإعداد لمؤتمر دولي كبير في إحدى العواصم الأوربية قد تكون باريس للتعريف بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويوضع برنامجه بما يتناسب مع العقلية الغربية ولغة خطابها.