مصطفى محمود يتحدث عن نفسه: كنت طفلا انطوائيا.. وسقطت 3 سنين بسبب الخوف
عشت مع الأحلام.. وخرجت من محنة مرضي مفكرا
مصطفى محمود
تحل، اليوم، الذكرى الحادية عشرة لوفاة الدكتور مصطفى محمود، الطبيب والمفكر والمبحر في علوم الحياة والدين، ونعرض لكم مجموعة من تصريحاته يتحدث فيها عن نشأته ومشواره العلمي والأدبي.
- افتكر عن طفولتي إني كنت دائمًا أمرض بسهولة، والبرد يقعد معايا شهرين، أقوم من مرض أدخل في مرض، وجسمي ضعيف ومقدرتش أنافس زملائي في لعب الكرة والضرب والحاجات دي.. كنت طفل انطوائى شوية.
- ابتديت أعيش فى الأحلام ودائما بحلم بالأبطال مثل كريستوفر كولومبوس، وباستيير، ونابليون بونابرت، ولما عرفتهم بقوا جزء من أحلامي.
- في مدرستي الابتدائية كان فيه حوش كبير، وفى أيام الشتاء تتجمع المياه، ويتحول الحوش لبحيرة، فكنت بعمل سفن الورق وانفخها على سطح المياه، وأتصور إنها بتروح الهند وترجع محملة بالبخور، وأتصور رحلات عجيبة في ذهني من مجرد سفن ورق بتتحرك على بحيرة.
- في السنوات الأولى من الدراسة أول سنة سقطت ثلاث سنوات، والسبب كان الضرب في المدرسة، كان المدرس معاه "خرزانة" ويمشي يضرب بيها يمين وشمال، فكنت طوال الوقت خائف، فكنت بسقط.
- وييجى أبويا يسألني خدت كام، أجاوبه "خدت صفر" وكان يقابل ده بالضحك، وما أخذش المسألة على محمل الجد.
- لم يكن فى بيتنا أي نوع من القهر أبداً، أبويا كان متدين وطيب جداً.
- بعد السنة الأولى لما تخلصت من الخوف انعكس الوضع وبقيت من الأوائل، وفي مدرسة طنطا الثانوية كان أسمي في لوحة الشرف.
- حبيت العلوم قوي، والفنون بشكل عام، ومن سن 8 سنوات كنت أكتب زجلًا وشعرًا، وأرسم ألوانًا وأعمل نحت تماثيل شمع وكده، وأعزف على الفلوت، يعني كنت بمارس أكثر من نوع من أنواع الفنون.
- فى الثانوية بقى عندى شغف كبير بعلم الكيمياء، وكنت لا أكتفي بالكتب الدراسية، وكنت بشترى كتب كلية العلوم، ابتديت أحوش مصروفي واشتري أحماض، وأعمل تجارب، وكل بيجاماتي بقت مخرمة من الأحماض.
- دخلت كلية الطب، وكنت حاصل على تقدير كبير في الثانوية، وغويت التشريح خالص، كنت أول واحد يدخل المشرحة وآخر واحد يمشي، كنت أول مرة أشوف الإنسان من جوه إيه، بيتفتح بالمشرط وأشوف القلب والمخ والأعصاب والأوردة والشرايين والأجهزة اللى بتشتغل وأقول إيه ده؟ هل هو ده البني آدم؟.
- فى سنة ثالثة كلية الطب تعبت جدًا بسبب استنشاق الأحماض، وحصل لي التهابات شديدة في الشعب الهوائية، وفضلت مريض ثلاثة سنوات لا أخرج من غرفتي، وزملائي كلهم سبقوني واتخرجوا.
- فى البداية تصورت إنها محنة، لكن على العكس جلوسي فى غرفتى جعلني قرأت الأدب العالمى كله (الروسي- الإنجليزي- الفرنسي- الأمريكي)، وكل فطاحل الرواية والقصة القصيرة والنقد.
- الثلاثة سنوات دول هما من صنعوا مصطفى محمود، خرجت من هذه المحنة إنسانًا مختلفًا وشخصًا مفكرًا ومتأملًا بطبيعتي وبكتب.
- من الحكمة الإلهية إن ربنا يتولى مخلوقاته علشان يطلع منها أحسن حاجة، أحياناً بالمرض، أحيانا بالألم، المهم إن فى النهاية ما يبدو أن هو شر هو فى الحقيقة خير.
- في الأيام دي ابتديت أكتب، وقابلت محمود عباس العقاد ووريت له 30 قصة، فقرأها في دهشة، وأُعجب بها، وبدأ يقرأها لضيوفه اللي كان بيحضروا كل يوم جمعة، وقدمنى لأحمد لطفي لزيات اللى كان ماسك مجلة "الرسالة" ونشر لي قصتين فى سنة 1947، ودي كانت الخطوة الأولى نحو الكاتب والأديب مصطفى محمود.
- بعد كده تعرفت على كامل الشناوي اللي دخلني أسرة "أخبار اليوم"، وكنت بكتب في مجلة "آخر ساعة" وبعدها "روزاليوسف".
- اكتشفت أن المنهج العلمى عجز عن إنه يفسر الإنسان، المنهج العلمي فسر البيئة وما فيها وفسر جسم الإنسان تشريحه ووظائفه إلى آخره لكن روح الإنسان اللي بيغضب ويثور ويعيش وبعد كده يبقى جثة؟.. فمن هنا العلم ما قدرش يفسر الإنسان، ولا يعرف هو جاي منين ولا رايح فين ولا إيه بيحصل بعد الموت ولا أي حاجة.
- فى لحظة ما بقى عندى 70 كتابًا وكتب شديدة الرواج وإيرادها كبير، وفي وقفة مع النفس قولت هو أنا فى النهاية هقابل ربنا بشوية كلام، ده أنا كل محصولي من الدنيا شوية كلام، الحكاية دي ضايقتني، وأيامها قولت للموسيقار محمد عبدالوهاب وكان صديقًا ليا وكنا دائما بنتقابل من وقت للتاني، وقلت له أسمع بقى مش معقولة هقابل ربنا بشوية كلام، وقالي فيها إيه ده اسمه فن طب ما انا هقابل ربنا بشوية غناء.
- ظللنا مدة كبيرة في سجال عن هذه القضية لحد ما قلت له شوف بقى فيه فرق بين الأقوال والأعمال، قال لى ياعنى إيه أعمال؟.. قلت له ياعني إطعام جائع، أو كسوة عريان أو كفالة يتيم أو عمل مشروع خدمي ينفع الناس ويبقى صدقة ليك بعد موتك.. وده اللى خلاني أفكر في مسألة الجمعيات والمراكز الخيرية والمسجد.