من الأمل في العلاج للمنع.. رحلة أزمة هيدروكسي كلوروكين وكورونا
الهيدروكسي كلوركين
خلال الأشهر الماضية، منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" في العالم، ومع عدم وجود عقار أو لقاح لمواجهة المرض الجديد، لجأت شركات الأدوية والجهات الصحية للاستعانة بعقارات أخرى، ليثير بعضها جدلًا ضخمًا بمرور الوقت، لدرجة استبعاده.
الهيدروكسي كلوروكين.. واحد من تلك الأدوية المثيرة للجدل مع كورونا، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية تعليق التجارب السريرية التي تجريها على العقار بشكل مؤقت في علاج المصابين بالفيروسن، وذلك عقب دراسة في مجلة "ذي لانسيت" الطبية، التي اعتبرت أن اللجوء إلى الكلوروكين أو مشتقاته مثل هيدروكسي كلوروكين ليس فاعلًا وقد يكون ضارًا.
كلوركين يظهر لأول مرة في مارس 2020.. وترامب يتناوله
رغم الجدل الحالي حول الدواء، إلا أنه كان بارقة أمل في مارس الماضي، بعد إعلان فرنسا استخدامه كعلاج مؤقت لفيروس كورونا، لإنقاذ المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، بعدما كان استعماله مقصوراً على مصابي حمى الملاريا.
يتضمن الدواء البلاكنيل الذي يُعتبر المادة الفعالة بالكلوروكين، الذي يُستخدم في الأساس لالتهاب المفاصل والتهابات الجلد الحساس، وهو أحد العقاقير المستخدمة لمنع وعلاج الإصابة بمرض الملاريا الناجمة عن لدغات البعوض، إلا أنه أثبت فاعلية في علاج الأمراض الروماتيزمية، ويُستخدم في علاج مرض الذئبة الحمراء، حيث يقلل من احتمالية حدوث نشاط المرض، ويحسن الأعراض الجلدية له.
وبعد قرار فرنسا، سارت على نهجها العديد من الدول، حتى تم الكشف عن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتناوله وتحدث عنه باستمرار وعن آثاره وإمكانية استخدامه في العلاج، وتشجيعه لاستخدام هيدروكسي كلوروكين، لتخرج في أبريل الماضي شركة "سانوفي" بنتائج فعالة بالنسبة للفيروس، مؤكدة أن الهيدروكسي كلوروكين، هو دواء تم تطويره في الخمسينيات من الكلوروكين، ويُستخدم في بعض الأمراض الروماتيزمية والأمراض الجلدية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، وفي بعض البلدان يُستخدم في الوقاية من الملاريا، أو علاجها.
وأضافت الشركة أنه يمكن أن يسبب هيدروكسي كلوروكين تفاعلات ضارة وخطيرة، ويجب عدم تناوله بدون وصفة أو نصيحة طبية، ولم يتم استخدام منتج هيدروكسي كلوروكين من Sanofi في علاج COVID-19 في أي بلد، مشيرة حينها إلى أنه في بعض النتائج الأولية من الدراسات التجريبية المستقلة، تم الإبلاغ عن أن هيدروكسي كلوروكين له تأثير محتمل مضاد للفيروسات، إلا أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كان لديه القدرة على معالجة COVID-19 أم لا، كما انه لا توجد أدلة سريرية كافية لاستخلاص أي استنتاج، ويتم إجراء دراسات سريرية كبيرة لتقييم سلامة وفاعلية الدواء في مرضى COVID-19.
كما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تجربة سريرية دولية تسمى "التضامن" للتحقيق في استخدام العديد من الأدوية، بما في ذلك هيدروكسي كلوروكين، في علاج COVID-19، بالإضافة إلى إجراء العديد من التجارب المستقلة بالتوازي في بلدان مختلفة للعثور على إجابات على العديد من الأسئلة حول استخدام هذا الدواء في COVID-19 في أسرع وقت ممكن.
الهيدروكسي كلوروكين يسبب أزمة
خلال شهري مايو ويونيو الماضيين، خرجت عدة تحذيرات بشأن الكلوروكين، حتى 17 يونيو، حينما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وقف الفرع الخاص بعقار هيدروكسي كلوروكين في تجربة "التضامن"، موضحة أنه توصلت المجموعة التنفيذية للتجربة والباحثون الرئيسيون إلى هذا القرار استنادًا إلى البيّنات المستمدة من تجربة "التضامن" وتجربة "التعافي" في المملكة المتحدة واستعراض كوكرين للبيّنات الأخرى المتعلقة بعقار هيدروكسي كلوروكين.
وأوردت حينها البيانات والنتائج التي أُعلن عنها مؤخراً في إطار تجربة "التعافي" في المملكة المتحدة، أن عقار هيدروكسي كلوروكين لا يؤدي إلى خفض معدل الوفيات بين مرضى "كوفيد-19" الذين يتلقون العلاج في المستشفى، عند مقارنته بمعيار الرعاية النموذجي.
وأكدت أنه لن يصرف الباحثون عقار هيدروكسي كلوروكين على المزيد من المرضى في إطار تجربة "التضامن"، وأما المرضى الذين بدؤوا بالفعل دورة علاجية بهذا العقار ولم ينهوها بعد في إطار التجربة، فسيُترك قرار مواصلة الدورة العلاجية أو وقفها للسلطة التقديرية للطبيب المشرف على علاجهم.
وبالتزامن مع ذلك، أكدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية fda الآثار الجانبية المعروفة للكلوروكين، بما في ذلك مشاكل إيقاع القلب الخطيرة والمحتملة التي تهدد الحياة، والتي تم الإبلاغ عنها باستخدامها لعلاج أو الوقاية من فيروس كورونا التي لم يتم الموافقة عليها من قبَل إدارة الأغذية والعقاقير، فيما اتجهت عدة دول لوقف استخدام العقار، بينما لم ترفعه مصر من البروتوكول العلاجي لها.
الصحة العالمية تتراجع عن التحذير
وبعد أقل من أسبوعين على ذلك الإعلان، وتحديدًا في 30 يونيو 2020، تراجعت الصحة العالمية عن قرارها ورفعت التجميد عن استعمال عقار كلوروكين في علاج مصابي كورونا، حيث أعلن المدير العام، تيدروس أدهنوم غيبريسوس، استئناف الاختبارات، لافتًا إلى أن خبراء اللجنة المعنية نصحوا بإعادة "هيدروكسي كلوروكين" إلى برنامج تجربة التضامن الخاص بالاختبارات الدولية للأدوية المحتملة ضد عدوى "كوفيد".
وأضاف أنه "بناء على المعلومات المتوفرة حول مستوى الوفيات، قدم أعضاء اللجنة توصية مفادها أنه لا توجد أسباب لتغير بروتوكولات الاختبارات"، موضحًا أن الفريق التنفيذي تلقى هذه التوصية وصادق على مواصلة تجارب كل أنواع الأدوية في إطار برنامج تجربة التضامن، بما في ذلك هيدروكسي كلوروكين، مشددًا على أنه لا توجد حتى الآن أدلة تثبت نجاعة أي دواء في خفض مستوى الوفيات جراء "كوفيد 19".
ورغم ذلك، تكررت لاحقًا التحذيرات من دواء الكلوروكين، من شركات الأدوية ومنظمة الصحة العالمية، قبل قرارها الأخير.
فيما فسر الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الصحة، استمرار استخدام الدواء في مصر، في مؤتمر صحفي بحضور الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، يوم 21 أغسطس الماضي، حيث أوضح أنه سبق أن منظمة الدواء والغذاء الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية قررت حذفه من قبل بروتكولات علاج كورونا، قبل أن يتراجعوا عن ذلك لاحقًا، مشيرًا إلى أنه تم التواصل وقتها مع الدكتورة جيهان العسال نائب رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا المستجد وأكد عليها ضرورة عدم حذف العلاج، مضيفًا أن العسال ردت بأن البلاد أجرت تجربة تراكمية على نحو 15 ألف مريض بكورونا باستخدام البروتوكول العلاجي الموجود فيه الكلوركين والذي حقق نجاحًا.