أزمة إيطاليا.. تحالف حكومي هش يبحث عن شعبية عبر افتعال أزمات خارجية
ائتلاف "كونتي" يفشل في مواجهة كورونا والوضع الاقتصادي
رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي
تعيش إيطاليا على وقع أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة خلال الأشهر الماضية، ويبدو أن الائتلاف الحكومي الذي يقوده جوزيب كونتي يجد صعوبة حقيقية في التعامل معها، خصوصًا وأنه يقود ائتلافًا لم يُبنى إلا لمنع التيار القومي من الصعود إلى السلطة، وهو الذي طالب بمسألة خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي.
فكلما ارتفع صوت روما في الملفات الخارجية كان ذلك انعكاسًا للأزمة الداخلية التي تمر بها الحكومة الإيطالية منذ ديسمبر 2016، حينما صوت الشعب الإيطالي برفض التعديل الدستوري.
"سالفني" وجه جديد أعاد رسم العملية السياسية داخل البلاد
وعلى ضوء فشل اليسار الإيطالي في الحشد لاستفتاء التعديل الدستوري في 4 ديسمبر 2016، دخلت إيطاليا أزمة سياسية أفضت إلى خسارة الحزب الديمقراطي الحاكم ممثل اليسار الإيطالي التقليدي، في الانتخابات البرلمانية 4 مارس 2018، ما أدى إلى صعود حزب رابطة الشمال بقيادة ماتيو سالفيني.
هذا السياسي القادم من ميلانو تولى رئاسة الحزب في 15 ديسمبر 2013، ويعد المنظر الذي يقف خلف تطوير اليمين القومي الإيطالي، إذ دمج ما بين الأفكار الوطنية والقومية والأفكار الدينية الكاثوليكية الرومانية مستغلا دراسته الأكاديمية للعلوم السياسي ثم التاريخ ليعبر عن ثقافة إيطالية خالصة.
أوروبا تقرع أجراس الخطر مع صعود رابطة الشمال الإيطالية
وقرعت أوروبا أجراس الخطر على ضوء صعود رابطة الشمال الإيطالية، والتي تناظر في سياستها الموالية لليمين القومي نفس سياسات حزب البديل الألماني أو مؤيدي بريكست البريطاني أو السياسة الترامبية الأمريكية نسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وهيمن الخوف من صعود "ترامب إيطاليا" لسدة الحكم في روما على عالقة أوروبا بإيطاليا عقب تلك الانتخابات، بعد أن وافق سالفيني زعيم اليمين القومي الإيطالي أن يدخل في ائتلاف حكومي، مكتفيًا بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في 1 يونيو 2018.
وعلى ضوء وجود سالفيني واليمين القومي داخل الوزارة الإيطالية، حدث تلاسن بين إيطاليا وفرنسا هو الأول من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية فيما يتعلق بالملف الليبي.
ولكن وزير الداخلية القوي لم يستطع أن يفرض أجندة اليمين القومي، لذا لجأ إلى لعبة سياسية تتمثل في تقديم استقالة حزبه من الوزارة في 5 سبتمبر 2019 والنزول إلى الشارع في مظاهرات مطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، حيث راهن "سالفيني" على أنه سيكتسحها ويشكل الوزارة الإيطالية بتوجه قومي خالص.
تشكيل ائتلاف حكومي هش لمجرد مواجهة "ترامب الإيطالي"
ونظرًا لمخاوف النخبة السياسية الإيطالية من هذا الانتصار، وفى خطوة غير متوقعة وأتت خارج حسابات سالفيني، قبلت الأحزاب الإيطالية الانضواء في ائتلاف حكومي برجماتي، وتنحية الإيديولوجيات السياسية من أجل قطع الطريق أمام انتصار اليمين القومي في الانتخابات المبكرة.
وهكذا جرى تعديل وزاري تضمن ائتلاف جدي دا بين حركة النجوم الخمس والحزب الديمقراطي، وقبل حزب ثالث في البرلمان هو "فيفا إيطاليا" أن يكمل الكتلة التصويتية اللازمة لتمرير تشكيل التعديل الوزاري دون الذهاب إلى انتخابات مبكرة، ليقبل اليسار الإيطالي تحالفا غير منسجم مع أفكاره، مقابل ألا يصعد اليمين القومي إلى سدة الحكم في روما.
الأزمات الداخلية تحرك السياسات الخارجية الإيطالية
ومنذ تأليف هذا الائتلاف الحكومي اليساري الهش الذي يرأسه المستقل جوزيبي كونتي، والأزمة الداخلية في إيطاليا هي محرك السياسة الدولية، إذ كلما طالبت المعارضة بالذهاب إلى انتخابات مبكرة بدلا عن انتظار عام 2023، افتعلت روما أزمة ما في الشؤون الخارجية. كذلك أتى فيضان فينسيا الشتاء الماضي وهو الأقوى منذ نصف قرن ليضرب السياحة الإيطالية، ولاحقا
وأتى وباء كورونا واستوطن إيطاليا ليتحول الأمر إلى إبادة حقيقية لكبار السن، ما جعل الجيش الإيطالي يتحرك للعمل مع الشرطة والقطاع الصحي من أجل معالجة الأزمة.
وعلى ضوء الهشاشة السياسية والاقتصادية داخل إيطاليا، تجمدت الحياة البرلمانية والحزبية انتظارا لمدى قدرة صمود الحكومة أمام شبح الانتخابات المبكرة التي ستعيد رسم المشهد الإيطالي لسنوات، إما خسارة اليمين القومي حتى يلحق بدونالد ترامب الخارج من البيت األبيض في يناير 2021، أو تمكين اليمين القومي وبدء التحول الإيطالي عن الاتحاد الأوروبي كما فعلت بريطانيا عقب استفتاء بريكست.
تصاعد المطالب بالخروج من الاتحاد الأوروبي بعد أزمة كورونا
وتحولت إيطاليا إلى أكبر بؤرة لفيروس كورونا في موجته الأولى، وكانت أول دولة في العالم تتجاوز أرقام الصين مهد فيروس كوفيد-19، وعلى ضوء المساعدات الأوروبية الضعيفة، صعدت حركة شعبية تطالب بالخروج من الاتحاد الأوروبي الذي لم يساعد إيطاليا في محنتها.
وتمثل في موجة جديدة هي الأكبر من التدوين والتغريد عبر وسم #ITEXIT الذي يطالب بخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا. هذا الوسم الذي بدأ عام 2016، وينشط كل فترة على يد الحركات والنشطاء والساسة والشخصيات العامة الداعية للانفصال الإيطالي، أصبح خير مقياس لمدى غضب الشعب الإيطالي مما سماه النشطاء "خذلان من الاتحاد الأوروبي للأمة الإيطالية".
سيناريوهات الانتخابات المبكرة.. أزمة تتواصل
في ضوء المعطيات السابقة، من المتوقع ألا يقبل طرفا الائتلاف الحاكم الجديد الذهاب إلى ائتلاف جديد عقب الانتخابات، ما يعني أن الصراع السياسي في إيطاليا عكس أغلب دول أوروبا وأمريكا، وبدلًا من أن يشهد تداول للسلطة بين الحزبين الكبيرين سوف نرى صراعا سياسيا بين أربعة أحزاب تمثل اليمين واليسار التقليدي والجديد في إيطاليا.
في هذا التعقيد السياسي تصبح المزايدات السياسية والوطنية هي عنوان اللعبة، فًلا عجب أن تصدر بعض الأكراف السياسية والبرلمانية والصحفية الإيطالية بعض المغالات في التعامل مع الملفات الخارجية بحثا عن "ترميم الشعبية داخليًا" في معركة مهمة للغاية لحسم الصراع بين التيارات التقليدية والتيار القومي الجديد الصاعد في إيطاليا والغرب.