الطريق إلى «30 يونيو»: 22 مليون «لا» فى وجه جماعة الدم والإرهاب
لم يكن يوم 30 يونيو 2013 مفاجأة للمصريين، فمشاهد الفوضى والدماء التى اقتسمتها القوى المدنية وأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، وتصرفات رأس النظام الحاكم «محمد مرسى»، وقراراته المستبدة التى قام بتحصينها، وخضوعه لرؤسائه فى مكتب الإرشاد، قسمت المصريين ودفعت الشباب المدنى للإعداد لليوم قبل بضعة أشهر من قدوم الثورة ليؤسسوا حملة «تمرد» بالتزامن مع دعوات بالتظاهر فى ميادين جميع المحافظات لجمع توقيعات لسحب الثقة من محمد مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
انطلقت «تمرد» فى يوم الجمعة 26 أبريل 2013، وتمكنت من جمع 22 مليون توقيع لسحب الثقة من محمد مرسى قبل اليوم المشهود الذى شهد فيه ميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية بمصر الجديدة وعدة ميادين مصرية، أكبر تجمع للمواطنين رصدته كاميرات العالم، بعد خروج مئات المسيرات من الميادين الكبرى والمساجد.
القوات المسلحة بدورها لم تكن بعيدة عن نبض الشارع، وحاولت وأد الفتنة قبل مولدها، وأعلنت وقتها أنها لا تريد اقتتال المصريين فى الشوارع؛ وأنها لن تسمح بإراقة الدماء المصرية. وبالفعل بدأت خطواتها لوأد الفتنة، فدعت القيادة العامة للقوات المسلحة إلى حوار وطنى بحضور الرئيس مرسى تحت شعار «لمّ الشمل»، ليعلن المتحدث باسم القوات المسلحة، فى بيان رسمى، توجيه دعوة للقوى السياسية والمجتمعية لحوار وطنى شامل يوم الأربعاء 12 ديسمبر 2012.
كان نص الدعوة: «القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى يدعو للقاء للتواصل الإنسانى والالتحام الوطنى فى حب مصر، يجمع شركاء الوطن، بحضور السيد رئيس الجمهورية». القوات المسلحة أعلنت وقتها أن هذه المبادرة لا تُعد حواراً سياسياً، لكن لـ«لمّ الشمل» بين شركاء الوطن، وشددت على أن القوات المسلحة لا تتدخل فى السياسة.
لكن دعوة القوات المسلحة قوبلت بالرفض من مؤسسة رئاسة الإخوان، ما أدى إلى إلغاء «حفل الغداء»، لتعلن بعدها رئاسة الجمهورية عن عقد واستكمال ما سمته حواراً وطنياً سياسياً بين جميع القوى السياسية، دعا له الرئيس محمد مرسى، وترأس عدداً من جلساته فى قصر الاتحادية، لكن غالبية القوى المدنية قاطعت حوار الرئيس، الذى أصر على عقده مكتفياً فيه برموز «أهله وعشيرته».
ومع تجاهل المطالب بتعديل الدستور والرجوع عن القرارات المستبدة لمرسى وإعلانه الدستورى المحصَّن، استمر وزير الدفاع وقتها، الفريق أول عبدالفتاح السيسى، فى التركيز على مهمته برفع كفاءة الجيش القتالية.
دار نقاش مجتمعى بين السياسيين والمحللين، فأخذ كل منهم كلمات السيسى على هواه، فأنصار الإخوان اعتبروا كلمة السيسى تأكيداً على استمرار رئيسهم مرسى ووقوف الجيش بجانبه واستعانوا بعبارة السيسى: «لو نزل الجيش البلد هتتأخر 40 سنة للوراء»، والقيادات السياسية المدنية وأعضاء جبهة الإنقاذ التى عارضت مرسى وقاطعت جلسات حواراته، اعتبروا تصريحات وزير الدفاع وتأكيده على حماية إرادة المصريين دليلاً على وقوف الجيش المصرى بجانب الشعب الذى سينزل بالملايين ليطالب بإسقاط نظام الإخوان المستبد.
استمرت حملة «تمرد» الشبابية فى اجتذاب المصريين والحصول على توقيعاتهم، وبدأت فى إعلان عدد التوقيعات أولاً بأول، وساندتها الأحزاب المدنية، وفتحت مقراتها لها لمساعدتها فى جمع عدد أكبر من التوقيعات والانتشار فى مدن وقرى الجمهورية، لتعلن نجاحها فى جمع 22 مليون توقيع بسحب الثقة من الرئيس مرسى.
ومع اقتراب «يوم الحسم» فى 30 يونيو، وتعنت مرسى وإصراره على عدم إجراء أى تعديل فى سياسته أو حتى تغيير حكومة هشام قنديل، وتعديل دستور 2012 المشوه، وزيادة الاضطرابات فى الشارع، حاول وزير الدفاع طمأنة المصريين فى خطاب ألقاه الأحد 23 يونيو 2013، خلال ندوة تثقيفية نظمتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء للقوات المسلحة. شدد السيسى فى خطابه على أن «القوات المسلحة على وعى كامل بما يدور فى الشأن العام الداخلى دون المشاركة أو التدخل لأن القوات المسلحة تعمل بتجرد وحياد تام، وولاء رجالها لمصر وشعبها العظيم»، وقال: «الجيش تجنب الدخول فى المعترك السياسى إلا أن مسئوليته الوطنية والأخلاقية تجاه شعبه تحتم عليه التدخل لمنع انزلاق مصر فى نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلى»، وطالب السيسى القوى السياسية بـ«التوافق والمصالحة الحقيقية»، وأعطى للجميع مهلة أسبوعاً قبل 30 يونيو.
للمرة الثانية، لم تؤخذ دعوة القوات المسلحة للمصالحة بعين الاهتمام من قبَل مرسى وجماعة الإخوان، فنظموا مظاهرات تحت شعار «لا للعنف»، دعوا فيها للعنف، فخرجت تصريحات من النخب الإسلامية تهدد بحرق وذبح من يتظاهر ضد مرسى، وقال الداعية الإخوانى صفوت حجازى نصاً: «من يرش مرسى بالميه نرشه بالدم»، وقال طارق الزمر، قيادى الجماعة الإسلامية المتحالفة مع الإخوان: «سنسحقهم جميعاً» من أعلى منصة مظاهرة تأييد لمرسى فى ميدان رابعة العدوية ظهر يوم ندوة القوات المسلحة فى 23 يونيو.
واستمرت حملة «تمرد» فى نشاطها، ومن ورائها المصريون بكل طوائفهم، وانتقلت فعاليات جمع التوقيعات من الشوارع إلى تنظيم فعاليات مخصصة لها، وأعلن عدد من الفنانين والمثقفين ورجال السياسية تمردهم، ومنهم من وقّع استمارة سحب الثقة على الهواء فى البرامج التليفزيونية، ليبدأ الإعداد ليوم التظاهر الحاشد لإسقاط النظام الذى رفض كل المبادرات من القوات المسلحة والقوى المدنية.
بدأت فعاليات اليوم الموعود بانطلاق المسيرات الحاشدة إلى كافة ميادين مصر، وسط مشهد فاق التوقعات، وبرهنت «تمرد» على أن الأرقام التى أعلنتها لتوقيعات المصريين لسحب الثقة من الإخوان كانت حقيقية، بل فاق عدد المتظاهرين عدد التوقيعات، ووصل لأكثر من 30 مليون متظاهر.
وسط هذه الانتفاضة الشعبية المهيبة واستمرار وجود الشعب فى الميادين، خرجت القوات المسلحة ببيان «النهاية»، الذى أذاعه التليفزيون المصرى، وأعطى البيان مرسى مهلة 48 ساعة لتلبية مطالب الشعب أو إشرافه على خارطة المستقبل، بعد أن استشعرت القوات المسلحة مبكراً خطورة الظرف، وما تحمله طياته من مطالب للشعب المصرى.
واستقبل المصريون بيان القوات المسلحة بالفرح، وزادهم إصراراً على مواصلة التظاهر لتحقيق مطلبهم، إلا أن «مرسى» تجاهل كل الفرص التى منحت له، وخرج بخطاب استمر 55 دقيقة يتحدث فيه عن شرعيته ويهدد بأن الدماء هى البديل عن رحيله. وبعد انتهاء المهلة التى حددتها القوات المسلحة، اجتمعت القوى السياسية والوطنية ممثلة بكامل فئاتها ومعها شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية، لبحث خطوات تفعيل مطالب الشعب المصرى، وصاغوا بيان 3 يوليو الذى تبنى تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد لمرحلة انتقالية، ليسقط حكم الإخوان نهائياً بإرادة شعبية جارفة.
أخبار متعلقة
تمرد «الورقة» التى أسقطت الإخوان
حسن شاهين: «السيسى» رفض عزل «مرسى».. و«صبحى» أصر مع الشباب على رحيله
هنا «جولد ستار».. محل ميلاد حركة «تمرد»
د. يحيى القزاز يروى لـ«الوطن» تفاصيل مولد الحملة
رئيس حزب النور لـ«الوطن»: إذا عاد بنا الزمان إلى 30 يونيو الماضى لاتخذنا نفس القرارات
محمود بدر: «تمرد» لم يكن لها أى علاقة بالمخابرات