الأب مع أحد السكان الذين يقومون بمساعدته
تجردوا من مشاعر الإنسانية والرحمة، واستمعوا إلى شيطانهم فتربصوا جميعا بوالدهم، وعزموا النية على التخلص منه، وبالفعل أقنعوه بالسفر إلى الخليج بحجة العمل وزيادة الدخل وتحسين المعيشة، وودّعهم في 2005 وطار إلى ليبيا، وبعد مرور 5 سنوات، استخرج نجله وشقيقاته الثلاث ووالدتهم، شهادة وفاة له، واستولوا على أراض زراعية مساحتها 14 قيراطا، وبيت 3 أدوار بمحافظة الإسماعيلية من ميراث الحي، حتى فاجأهم الأب بعودته ذات يوم، فقاموا بمغفالته والاستيلاء على أوراقه الرسمية التي تُثبت أنه على قيد الحياة والتبرأ منه، وطرده من المنزل، كي لا يطالبهم بحقوقه.
مخطط شيطاني
يحكي عبد الفتاح أمين عبده الشنب، 72 عاما، من أبناء مدينة الحامول في محافظة كفر الشيخ، أن سافر إلى خارج البلاد، بعد إلحاح شديد من زوجته سمية، وأبنائه الأربعة "عبير، عفاف، السيد، السيدة"، بهدف تحسين مستوى المعيشة وزيادة الدخل: "فضلوا يقولوا لي سافر عشان تجيب لنا فلوس، وابنك في آخر سنة له في شريعة وقانون، ولازم نصرف عليه كويس، وطبعا زي أي أب حسيت أن ولادي محتاجين للفلوس، خصوصا بعد ما كبروا، وسافرت أنا ومحمد جوز بنتي عبير لليبيا".
سافر عبد الفتاح، للعمل كـ"مبلط سيراميك"، رغم شيبة رأسه وتقدمه في العمر -56 عاما وقتها-، حاملا هم أسرته، إذ كانت علاقته بأبنائه وزوجته قوية إلى أبعد حد، وكان يطمئن عليهم بشكل مستمر، ويهاتفهم على مدار اليوم: "كل شهر كنت ببعت لهم 1500 جنيه، وده من 2005 يعني كانت الفلوس بقيمتها، وكانت كتير، وكانوا بيوحشوني قوي وبقعد أقولهم نفسي أشوفكم".
يضيف الرجل، إن زوج نجلته "عبير"، قرر بعد عدة سنوات العودة إلى مصر والاستقرار إلى جانب زوجته: "أنا رفضت وقولت هفضل، وهكمل عشان أجيب فلوس للولاد أكتر، ويعيشوا حياتهم، وبعد كده الأوضاع السياسية في ليبيا ساءت جدا، والثورات قامت وانقطعت أخباري معاهم، ومبقتش بكلمهم".
قلب ولدي عليا حجر
عاش "عبد الفتاح"، أصعب أيام حياته يملؤه الشوق إلى أولاده وزوجته، لا يتمنى سوى رؤيته واحتضانهم، حتى لو دقائق، في الوقت الذي كان يخطط الأشقاء الـ4 بمشورة والدتهم، لإصدار شهادة وفاة لوالدهم في عام 2017، وإصدار أوراق رسمية بإعلام الوراثة، للاستيلاء على كل ما يملك من أراضٍ وبيت بالإسماعيلية.
وفي 10 يونيه 2018، تفاجأوا جميعا بعودة "الأب" من الأراضي الليبية، وأحسنوا استقباله، لكنهم كانوا كالحرابي الخادعة يتلونون ليتمكنوا من هدفهم، إذ يقول: "استقبلوني كويس جدا، وحسيت أنهم كانوا قاعدين مستنيني على نار، وأكلوني وشربوني، وقالوا لي افتكرناك مت فطلعنا لك شهادة وفاة، وده غصب عننا، ومحتاجين البطاقة بتاعتك عشان نطلع لك ورق جديد".
يقول عبد الفتاح: "صدقتهم واديتهم أوراقي كلها، البطاقة والباسبور، وتاني يوم ما رجعت من السفر مشوني من البيت وطلعوني بره، وودوني عند أخويا في الشرقية، وقالوا له إحنا أبونا مات وخدنا عزاه، ومعانا شهادة وفاة تثبت الكلام ده، والراجل ده منعرفوش، إحنا أبونا كان أبيض وده راجل لون بشرته سمراء".
كسرة وقهر
صدمة كبيرة تلقاها "الأب"، وشعر بخيبة أمل أفقدته القدرة على الدفاع عن نفسه: "مقدرتش أنطق من الصدمة، ودماغي تفكيرها اتشل، وبقيت بقول لنفسي بقى هما دول ولادي اللي سافرت عشانهم واتغربت واتبهدلت في بلاد بره، وكنت بحرم نفسي من اللقمة عشان أقدر أحوش وأبعت لهم الفلوس عشان يجيبوا كل اللي نفسهم".
يسأل "عبد الفتاح" نفسه أسئلة يعجز قلبة الطيب عن إجابتها، مشاعر مرتبكة تمكنته من شدة الصدمة، إذ يقول بنبرة حزينة تعكس غضبه واستيائه من تصرف أولاده: "طب مراتي ومش من دمي، لكن دول ولادي يعملوا كده في أبوهم؟ أنا وقعت على دماغي من الصدمة، وبقيت مش بركز وضغطي بقى عالي، ومكنتش بشتكي من أي مرض".
إثبات نسب: هموت وحيد وعندي ولاد
لم يجد الرجل الذي وصلت محطات عمره عند الـ71 عاما، بمساعد شقيقه "محمود" المقيم بمدينة الحامول حاليا، إلا أن يرفع قضية نسب لإثبات أن ما زال على قيد الحياة: "القاضي طلب تحليل نسب 3 مرات، وكل مرة كان ولادي مش بيحضروا، وروحت أنا وأخويا وعملنا التحليل، ولسه القرار مصدرش رسمي أني عايش، وأنا تعبان وعايز أتعالج ومعيش بطاقة، حرام عليكوا يا ولادي اللي عملتوا فيا، لو أنا مش أبوكم ده أنا عضمة وراجل كبير، راعوني عشان سني".
يشعر "الأب" بحالة استياء شديدة، من تصرفات ابناؤه معه: "عمري ما شوفت ولاد جاحدين بالشكل ده على ولادهم، دول حتى مش فاكرين لي يوم حلو، ده أنا كنت كاسر ضهري عشانهم وكنت ببخل على نفسي بكل حاجة حلوة، ومراتي كنت دايما ببديها عليا وأصرف عليهم هما، ده كل قرش كنت بجيبه بديهولها في إيديها، ديه أخرتي وجزائي؟".
ويختتم عبد الفتاح، حكايته، والحزن يطارد كلماته المملوءة بالوجع: "كل اللي شاغلني لما أموت مين هيقف على غُسلي، ومين هيمشي ورايا، ومين هيقرأ لي الفاتحة، أنا عيشت غريب وسط ولادي، وهموت وحيد، حتى وأنا عندي ولادي المفروض أنهم سندي".
القضاء قال كلمته.. والأبناء يتعنتون
يؤكد سيف بركة، محامي "عبدالفتاح"، رواية موكله، موضحا أنه تعرض لخداع شديد واختلاس لحقوقه، وتم ثبوت النسب بينه وبين أبنائه الأربعة، وإلغاء حكم اعتباره بأنه متوفي منذ 10 أيام: "فاضل دلوقتي يطلع القرار رسمي، والإعلان من المحكمة وهنواجه بيه ولاده، ويخبطوا دماغهم في الحيط، وهنطلعهم من البيت والأب هيرجع البيت من تاني، وهو عايز يسامح ولاده أو لأ، ده شيء يرجع له"، مشيرا إلى أنه رغم صدور هذه الأحكام بحق الأب، لكن لا يزال الأبناء متعنتين ويرفضون الاعتراف بوجود أبيهم.
تعليقات الفيسبوك