كان أكبر جرّاح فى الصعيد كله، كل أساتذة وأخصائيى الجراحة يدينون بالفضل له أو لتلاميذه فى علم الجراحة، وفد من قلب الصعيد والوادى الجديد الذى يبعد عن أسيوط قرابة 300 كم إلى «طب قصر العينى» ليدرس الجراحة على أساطينها ثم يدرسها مرة أخرى فى بريطانيا قبل أن تنشأ جامعة أسيوط.
لحق د. عبدالرازق حسن بالجامعة مدرساً للجراحة، ظل يعلّم أجيال الجراحين ويقوم بالجراحات المعقدة غير المعتادة. كانت المرتبات زهيدة، وكانت هناك جراحات فى العيادة يجريها بعشرة جنيهات، أجرى جراحات معقدة لفقراء لم يخبروه بحالهم إلا بعد الجراحة وأنهم لا يملكون شيئاً، كان يقول للمريض وأهله: «خلاص.. ليست هناك مشكلة، روّحوا بالسلامة». كان رئيساً للجامعة وأجرة الكشف فى عيادته ثلاثين جنيهاً، أعلى أجر للكشف فى عيادته كان خمسين جنيهاً عام 2011 بعدها تقاعد لمرضه. أسد الجراحة فى الصعيد كله الذى وقف على قدميه طويلاً فى غرف العمليات وأجرى آلاف الجراحات المعقدة أصبح قعيداً لا يستطيع الحركة من أجل قصور فى عصب بسيط بالقدم اليمنى بعد جراحة غير موفقة فى العمود الفقرى. ترقى من عميد طب أسيوط إلى نائب رئيس جامعة إلى أصغر رئيس جامعة فى تاريخ مصر، فقد كان عمره وقتها 49 عاماً، ومكث أطول فترة رئاسة فى تاريخها أيضاً، 11 عاماً كاملة، كان فيها نظيف اليد جاداً سريع القرار وإنساناً بدرجة كبيرة، لم يتكسّب يوماً من وظيفته، بل تسببت رئاسته للجامعة ومناصبه الأخرى فى إهماله عيادته التى كانت تدر ربحاً أكبر من مرتبات المنصب الهزيلة وقتها.
كان د. عبدالرازق يستوقفه بعض الأساتذة فى الشارع فيركن سيارته ليوقع على بعض الأوراق لهم على «كبود السيارة». كان مدرساً للجراحة وكان أجر الكشف عنده ثلاثة جنيهات. كان يدس الجنيهات تحت مخدة المرضى الفقراء فى المستشفى الجامعى دون أن يشعروا. كان بشهادة كل أساتذة الجراحة بأنواعها أعظم قمة للطب فى الصعيد وله بصمة جميلة على كل جرّاح متميز فى الصعيد كله كما عبّر تلميذه عبقرى جراحة المسالك أ. د. محمد شلبى، والذى يردد دائماً: «د. عبدالرازق له فضل على كل جرّاح فى الصعيد، وهو الذى أدخل كل تخصصات الجراحات النادرة إلى جامعة أسيوط والصعيد كله ومنها جراحات التجميل والميكروسكوبية والوجه والفكين والمخ والأعصاب وغيرها».
فى جنازته اجتمعت عدة أجيال من الجراحين بعضها لم يلق بعضاً من عشر سنوات، جمعها الوفاء والولاء والتقدير والحزن على معلمهم العظيم. كان أحد أساتذة الجراحة يغار منه ويشكوه كثيراً بغير حق وكان قد مد إعارته فى الخليج لسنوات طويلة دون سند قانونى، وكان د. عبدالرازق وقتها عميداً لكلية الطب وكان بإمكانه أن يفصله فأبت عليه شهامته ونخوته أن يفعل ذلك، بل أعاده للكلية مرحباً به مترفعاً عن الدنايا، فقد كان شهماً طوال عمره. هو أول من أنشأ التأمين الصحى لأساتذة الجامعة فى جامعة أسيوط عقب رئاسته للجامعة حينما رأى أن بعضهم يراق ماء وجهه فى العلاج والدواء، وخاصة بعد خروجه للمعاش وحاجته لجراحات متطورة، ثم حذت كل الجامعات حذوه. كان مكتبه مفتوحاً للناس جميعاً فى كل المناصب التى شغلها. مكث د. عبدالرازق قعيداً عدة سنوات، أسد الجراحة فى الصعيد كان لا يقوى على الوقوف على قدميه بعد أن وقف آلاف الساعات وأجرى آلاف الجراحات المعقدة، لم ييأس أو يُحبط، كان دائم الابتسامة، كان بشوشاً متفائلاً حتى فى أحلك الظروف.
قبل وفاته بفترة قصيرة قال لتلميذه أ. د. إيهاب الجناينى: «محنة إعاقتى عن الحركة منحتنى فضيلتين التفرغ للذكر وقراءة القرآن والاستغفار، وأكرمتنى بثواب الصبر والرضا عما قسمه الله لى». لك أن تتخيل أعظم جرّاح وأهم رئيس جامعة لا يستطيع الحراك، والله لو حدث لغيره لملأ الدنيا حسرة وندماً واكتئاباً، ولكن أنَّى له أن يتسلل إلى نفس هذا العملاق المؤمن الذى كان قلبه يشع بالنور والإيمان.. لم يكوّن ثروة من الجراحة رغم أنه كان على قمتها فى الوقت الذى كوّن فيه تلاميذه مليارات، عاش بسيطاً ومات بسيطاً فقيراً، شقته لم تتغير، هى التى عاش فيها كمدرس للجراحة وعاش فيها كرئيس للجامعة ومات فيها، منتهى البساطة. كان يعتبر الطب رسالة وليس مهنة، وكان رئيس الجامعة الوحيد الذى يُجرى جراحات بكل درجاتها فى التأمين الصحى ليتقاضى ملاليم ليتبرع بها لإصلاح المستشفى، كان يردد: «يا ابنى إحنا جايين هنا كرسالة». كان الجميع يقول عنه: «لم يتخلّ عن أحد أبداً قصده فى معروف أو رد مظلمة أو خدمة». رحم الله هذا العملاق الطبى والإنسانى والإيمانى العظيم الذى أتعب من بعده، سلام عليه وعلى كل الذين يضمّدون جراحات الناس المادية والمعنوية.