الولد الذى بين عشية وضحاها هبط هبوطاً مظلياً على سمائنا بوصفه «داعية» و«عالماً».. بدت كل سياقاته مبهمة، فمن هو هذا الضخم الذى ترك «الجيم» لتوه وجاء ليواجه «خصوم الدين»؟ فما تركنا ولا ترك الخصوم ولا ترك الدين ولا ترك مستقراً فى موضعه حتى اللحظة.
جثمانه الضخم لم يبدُ متناسقاً كما هو حال لاعبى كمال الأجسام المتقنين، لم يبدُ كأجساد الرومانيين المنحوتة، لم يبدُ إلا منفوخاً بمقاييس غير متجانسة، تشى بـ«غشم» فى التمرين.. تضخيم أخرق يليق ببودى جاردات الملاهى الليلية، لا بالرياضيين الأبطال.
والفارق الموضوعى بين من يتمرن بمفرده، أو بالاستعانة بنصائح ومناهج متباينة، وبين من يتبع خطة علمية، هو الشكل الأخير، فالتمرين السليم يستنطق التناسق البديع فى الجسم البشرى، تعتدل موازين التمرين، وتنضبط الجرعات، فيبدو الجسم صحياً جميلاً منحوتاً لافتاً، أما خطة الولد «الهجينة».. فحولته إلى كتل ضخمة متراصة فى قبح يشير إلى فساد المنهج وخبل الخطة.. والرغبة المجردة فى الاستعراض، لا الطلب الأصيل للرياضة والصحة والجمال، أدار الولد معاركه -المفتعلة فى معظمها- بنفس منطقه فى الجيم.. استعراض للضخامة والقوة، ولو كانت قبيحة وغشيمة وغير منبنية على أساس سليم ودون «منهج».. ليتمازج المظهر والجوهر ويتحول المزاج إلى ترجمان حقيقى للجسم فى واحدة من الحالات التى لا تخفى على متفرس مبتدئ، اختار الولد أن يرتبط بالتريند فحسب، فما لا يشغل الرأى العام كأنه ليس من الدين، وما يشغل الرأى العام نبحث له عن معنى دينى أو قاعدة فقهية أو أى شىء نتحلق به حول «التريند»، هو شيخ تريند، لا سواه، ولو لم يجد التريند لاخترعه بتشغيباته الطفولية التى تختار فئات بعينها للاشتباك معها، تارة مع النساء وتارة مع العلمانيين، وتارة مع جمهور الزمالك بوصفه «أهلاوى»!، وخطابه مزيج من إدمان اعتلاء التريند مدفوعاً بأخلاق «الألتراس»، الولد (فللرجولة انصرافات لغوية خُلقية جلها يجافيه) لما سكنت الأجواء، لم يجد «تريند» ليبقى به فى قلب الحدث، فانصرف قلبه وعقله إلى النبش فى مسألة «والدَى» النبى المصطفى صلوات الله عليه. هل هما فى الجنة أم فى مكان آخر؟
هل هناك مناسبة أو سياق لطرح السؤال أو النبش فيه؟ أم هى الرغبة فى لفت الأنظار أياً كان الثمن وأياً كانت المسألة المجترأ عليها؟، حتى لو اختلفت تقديرات البعض فى هذه المسألة.. فهل كان من اللياقة الذوقية التطرق إلى المسألة؟ سيما فى غياب الجو العلمى للنقاش (زماناً ومكاناً وسياقاً) وانتفاء الضرورة وعدم إلحاح الوقت؟
الولد المتعاجب بذاته لم يطق صبراً، فتدحرج إلى المسائل الكاشفات.. فما من خارجى المنهج من خوارج كل عصر إلا وطفحت طويته المبغضة المتطاولة على الجناب النبوى الشريف فى آل بيته وأبويه وأهله الكرام عليهم رضوان الله وسلامه وتسليماته. مسألة يُساقون إليها ويفضحون أنفسهم مهما داروا ومهما ادعوا، وليس لأحد منهم قدرة على أن يقول عكس ما يُبطن فيها، فهى اختبار قاهر فوقهم لا يطيقون فيه صبراً، ما لا يعرفه كثيرون أن الولد ابن قيادى تكفيرى كبير، كان يكفّر الناس جميعاً بمن فيهم أبناؤه!، ابن التكفيرى كان عرضة للحرمان من ميراثه من أبيه، لأنه بنظر أبيه.. كافر!، ولا أدرى إن كان أبوه -وقد أفضى إلى ما قدم- حرمه هو وإخوته أم لا، فقد قال لهم (لا ميراث لكافر من مؤمن)، على حد ما كان يزعق به فى المجالس والمناظرات، ابن التكفيرى وعقدة (بل عُقد) الأب تحركه وتهيمن عليه من قبره، يدرك الصعوبة البالغة لموقف والده بين يدَى الحق وقد توسع فى التكفير حتى لم يستثن أبناءه، الولد ابن التكفيرى يلعب لعبة بنى إسرائيل النفسية بنسب النقيصة إلى أنبيائهم حتى يلتمسوا لأنفسهم الأعذار بخلق درجة من التوازن فى الخطايا!
الولد ابن التكفيرى، وهو يدرك أن أباه توسّع فى تكفير الخلق ومن ثم فإما أن يبوء من كفّرهم أبوه بالكفر أو يبوء به أبوه لا محالة كما فى الحديث الشريف!
الولد غير المتزن يتطاول على الجناب النبوى الأعظم فيؤذيه فى والدَيه علانية وعلى مدار أيام ودون تورع.
وكأنه يلتمس عذراً لأبيه بينه وبين نفسه، ويقول إذا باء أبى بالكفر (لتكفيره الناس) فليكن أبواه -صلى الله عليه وسلم- فى مثل موقف أبى!، وهذا سلوك المنحطين الذين يتطاولون على العظماء بالانتقاص لعجزهم عن المجاراة، فتطيب نفوسهم بافتراض وإشاعة النقص فى الآخرين. وهو فتحٌ لباب شر عظيم فى وقت لا يتورع فيه أحد عن تكفير أحد، فما بالك بمن يسوّغ لهم تكفير والدى النبى؟!
ابن التكفيرى لن نسلم من عقده وسوء أدبه.. وعما قليل سيتنقل من مربع لآخر علانية ودون مواربة.. فالولد سر أبيه.