منذ أيام قليلة، أعلن المجلس الأعلى للجامعات عن قراره باستئناف الدراسة للفصل الدراسى الثانى بنظام التعليم «الهجين»، الذى اعتمد عليه فى نصف العام الأول.. والذى يجمع بين حضور الطلاب إلى مقر الكليات لأيام محدّدة، بالإضافة إلى استخدام وسائل التعلم عن بُعد لاستكمال العملية التعليمية.
القرار بدا وكأنه نواة أولى ليستمر ذلك النظام ويتم اعتماده كنظام أساسى للتعليم الجامعى فى مصر.. حتى بعد انتهاء أزمة جائحة «كوفيد»، التى عصفت بالعالم كله منذ أكثر من عام.
نظام التعليم الهجين لم يتم اعتماده فى مصر وحدها.. فجامعات عريقة مثل أكسفورد وكامبريدج وغيرهما فى العالم كله اعتمدته منذ بداية العام الدراسى الحالى.. مع تصريحات ليست رسمية حتى الآن عن استمراره فى المستقبل بعدما أثبت نجاحاً غير متوقع.
كل ما سبق يدل على أن العملية التعليمية يُعاد تشكيلها من جديد فى العالم كله.. وأن فكرة التعلم عن بُعد لم تعد فكرة غير تقليدية أو مبتكرة.. بل إنها أصبحت جزءاً أساسياً فى العملية التعليمية.. ربما ما زالت هناك بعض الصعوبات فى تدريس الكليات العملية، وعلى رأسها تدريس الطب.. ولكننى أعتقد أن الأمر سيتطور مع الوقت.. وربما وجدنا وسيلة بعد أيام أو شهور قليلة تجعلنا نتمكن من التدريس «العملى» للطب بالطريقة نفسها!
الأمر لم يعد يتعلق بالدراسة وحدها.. بل ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمى نفسه.. فعام واحد فقط احتاجته شركة مثل شركة «زووم» لتنظيم المؤتمرات الإلكترونية والاجتماعات عبر شبكة الإنترنت لترتفع قيمتها السوقية من تسعة عشر مليار دولار إلى ما هو أكثر من مائة وأربعين مليار دولار.. لتتجاوز فى قيمتها السوقية شركة أكسون موبيل، إحدى أكبر شركات النفط والغاز فى العالم.. ولتصبح قيمتها تساوى قيمة سبع شركات طيران مجتمعة.
سنوات قليلة فى رأيى أصبحت تفصل العالم عن اختفاء قاعات المحاضرات والمؤتمرات بشكلها الحالى.. ليتحول العالم كله إلى مجموعة من الاجتماعات والندوات التى تُعقد كل لحظة.. بينما لا يتحرك أحد من مكانه أو يسافر من بلده إلى بلد آخر.. فى الصيف الماضى شاركت فى مؤتمر دولى فى الطب عُقد فى هولندا.. بل تمكنت من المشاركة فى معظم جلساته.. كل هذا وأنا لم أغادر منزلى، أو حتى مقعدى الذى أفضله فى غرفة مكتبى الصغير.
المشكلة الأساسية التى تواجه فكرة التعلم عن بُعد بجانب أزمة «عدم الاعتياد».. بالنسبة للدارسين والمدرسين على حد سواء.. وبجوار مشكلة توافر مواقع دراسية مصمّمة بشكل جيد.. وخوادم عالية السعة بكل جامعة، هى مشكلة التكلفة المالية «الشخصية» التى يتحمّلها الطالب بجوار تكلفة الدراسة ذاتها.. فبالإضافة إلى أنه يحتاج إلى اتصال جيّد وغير متقطع بشبكة الإنترنت.. فهو لا يمتلك رفاهية انتهاء الباقة وانتظار إعادة شحنها مرة أخرى.. كما أنه يلقى بحمل إضافى على طلبة الجامعات فى مصر وأولياء أمورهم.
أعتقد أن دراسة توفير اشتراكات بسعر مخفّض لطلبة الجامعات من شركات الاتصالات المختلفة.. وتصميم تطبيق خاص بكل جامعة أو بكل كلية يمكن استخدامه عبر الهاتف الذكى.. بحيث يخفض استهلاك الطالب لحجم الإنترنت الذى يحتاجه.. ليصبح الدخول إليه برقم قيد الطالب مثلاً أو برقم سرى لعضو هيئة التدريس.. ويمكن الطالب من التواصل المباشر مع عضو هيئة التدريس أو حتى مع إدارة كليته بشكل أسهل.
تطبيق بهذا الشكل أعتقد أنه سيكون مفيداً للغاية.. وسيجعل التجربة أقرب إلى النجاح الذى نسعى إليه جميعاً، فالعالم يسير فى اتجاه عصر التعليم عن بُعد بأقصى سرعة.
ما زالت ملامح عالم ما بعد «كوفيد» تتشكل يوماً بعد يوم.. وما زال العالم يتحرك فى اتجاه مختلف عما اعتدنا عليه.. فلنحاول البحث عن مقعدنا فى الصفوف الأولى.. لأننا نستحق.. أو هكذا أعتقد!!