حسام صلاح مع والداته عقب حفل تخرجه من كلية الطب
رحلة كفاح بدأتها السيدة ميرفت التيجي منذ 13 عاما مع أبنائها الثلاثة، أبلت فيها بلاء حسناً فتحملت مشقة السعي بمفردها وبدأت من الصفر بعد أن أنفقت كل ما لديها من أموال على مرض رب الأسرة قبل وفاته، ووفرت بيئة مناسبة لأبنائها فاستطاعت أن تخرج 3 أطباء، وهو ما دفع نجلها الأكبر حسام صلاح لتكريمها على ثمرة مجهودها وما بذلته معهم فى سبيل نجاحهم، فألبسها روب وكاب التخرج ومنحها شهادة التقدير التي حصل عليها في حفل تخرجه من كلية الطب بجامعة سوهاج واصفاً إياها بأنها الخريجة الحقيقية وصاحبة الفضل عليه هو أشقاؤه.
بدأت أسرة حسام صلاح، المكونة من 5 أفراد حياتهم في السعودية، حيث عمل الوالد محاسباً بإحدى الشركات، فتعلم الأبناء في مدارسها حتى وصول حسام الصف الأول الإعدادي، وتفرغت الأم خلال تلك الفترة لمهام المنزل وحسن تربية أبنائها وتعليمهم فدرست لهم مناهج التعليم المصرية إلى جانب المناهج الدراسية السعودية لتحسين مستواهم وتحسباً للعودة إلى مصر في أي وقت «ماما حرصت على دراسة المنهجين علشان لما نرجع نكمل تعليمنا فى مصر ما يباقش فيه صعوبة وبسببها كنا بنطلع من الأوائل».
حال أسرة حسام تحول للأسوأ بعد وفاة الوالد «بدأنا من الصفر»
عاشت الأسرة حياة مستقرة لكن سرعان ما تحول الأمر إلى العكس لا سيما بعد إصابة الوالد بدوالي المريء على إثر تعرضه لفيروس «سي»، وخضع للعلاج 7 سنوات، وبعد تدهور حالته الصحية أخبرهم الأطباء بأن الوفاة قاربته، فأخفت الأم هذا الأمر عن أبنائها، وكانت تستقبلهم بابتسامة مكسورة تخفى خلفها دموعها وهمومها حتى لا تشتت تفكيرهم، ورتبت للعودة إلى مصر في أقرب فرصة فيقول حسام «خلال سنين تعبه ماما كانت تعيط من ورانا وتقولنا إنه كويس، فرجعنا مصر قبل الوفاة عشان نختصر الإجراء ونكون وسط أهلنا».
عادت الأسرة إلى محل إقامتها بطهطا أحد مراكز محافظة سوهاج، وتوفي الوالد بعد فترة وجيزة كان حينها حسام فى الصف الأول الإعدادي، والابن الأوسط في الصف الرابع الابتدائي والأصغر في الصف الأول الابتدائي، فكانت وفاته أمرا كبيرا غير مسار حياتهم لا سيما أنه العائل الوحيد للأسرة، فالأم حاصلة على ليسانس اللغة العربية لكنها ليست موظفة، ولم تتمكن من الحصول على وظيفة بسبب تجاوزها السن المحدد للعمل، والأبناء ولم يقووا على العمل بعد، فيقول حسام «موته كان كسرة ضهر بالنسبة لنا وحاجة كبيرة»، موضحاً أنهم أنفقوا ما ادخروه من أموال طيلة سنوات الغربة على مرض الوالد وعلاجه «بدأنا تاني من الصفر وكانت البداية صعبة».
الأم عملت مدرسة لغة عربية بمدرسة خاصة لتوفر نفقات الأسرة
أصبحت الأم هي رب الأسرة والعائل الوحيد لها فكان لزاماً عليها أن تعمل لتوفر أبسط النفقات فعملت مدرسة لغة عربية بمدرسة خاصة رغم راتبها القليل وأخذت على عاتقها تأسيس الأطفال من أولى ابتدائى فما فوق على القراءة والكتابة، واشتهرت بأن أطفال فصلها من أشطر الفصول، وهو ما دفع زملاءها أن يقترحوا عليها فتح فصول تقوية لتأسيس الأطفال وبالتوازي مع مهام عملها كانت حريصة على متابعة مذاكرة أبنائها فى المقام الأول «التعليم عندها رقم واحد فكانت بتذاكر لنا وإحنا صغيرين ومقصرتش معانا في الدروس والملخصات».
اهتمت الأم بتنشئة أبنائها اجتماعياً ودينيا بحرصها على معرفة أصدقائهم وتحفيظهم القرآن وتأدية الصلاة في المسجد، فقامت بدور الأب والأم على أتم وجه «ماحسيناش بغياب والدنا رغم إننا كأولاد كنا محتاجين له» وكانت صديقة مقربة لأبنائها دائمة النصح والتوجيه لهم لحرصها على مصالحهم، وخلقت بداخلهم حالة من المسؤولية تجاه أنفسهم وواجبهم على أكمل وجه فكانت المذاكرة في مقدمة المهام المطلوبة منهم «لما دخلنا إعدادي كل واحد فينا عارف إن المذاكرة حاجة أساسية فلازم نذاكر ساعات محددة وده ما منعناش نلعب ويكون فيه ترفيه».
حسام حصل على 99.5% في الثانوية العامة وشقيقاه الاثنان حصلوا على مجاميع مقاربة والتحقوا بكلية الطب
بعد عامين من وفاة الوالد التحق حسام الابن الأكبر بالثانوية العامة وكانت تجربة جديدة بالنسبة للأسرة فهو أول واحد يدخلها، لكنهم وضعوا هدفا من البداية أن يصبح من أوائل الجمهورية ويلتحق بكلية الطب، ووفرت الأم جوا هادئاً مناسبا للمذاكرة «خلال السنتين دول كل حاجة بحتاجها كانت بتيجى لى لحد عندى وعمرها ما قالت لى ادخل ذاكر»، فحصل على مجموع 98.5% فى الصف الثاني وكان مجموعه خلال العامين 99.5% «فرحت جداً وماكنتش مصدق وشوفت الفرحة فى عينيها لأول مرة بعد وفاة بابا» وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من أن يكون من أوائل الجمهورية إلا أنه كان من الأول على المركز.
التحق حسام بكلية الطب وكانت الأم تريد أن يصبح من الأوائل إلا أن الابن كانت له وجهة نظر مختلفة، فبدأ يساهم فى الأنشطة التطوعية وممارسة هواياته والأشياء المتميز فيها، ودرس تنمية بشرية وأصبح مدربا حتى لا يحصر نفسه فى قوقعة الطب فقط، وهو ما أثر على شخصيته ومهارته فأصبح مدربا معتمدا من الاتحاد الدولى لطلاب الطب وعنما كان فى الفرقة السادسة ترأس الجمعية العمومية لطلاب طب سوهاج وهى جزء من الاتحاد الدولى لطلاب كليات الطب على مستوى العالم وتم اختياره أفضل مدرب على مستوى الجامعات المصرية بعد المشاركة فى الملتقى الثالث لمدربي الجامعات فى حلوان، كما أنه أسس شركة بالتعاون مع أحد أصدقائه لتدريب الأطفال وتم اختيارها من أفضل 25 شركة ناشئة فى مصر، لكنه اضطر أن يوفق نشاطها بشكل مؤقت للتفرغ لدراسته.
تخرج حسام من كلية الطب بجامعة سوهاج وعاد لممارسة هواياته التي شغلته عنها الدراسة «بدأت أرجع أهتم بالرسم وأعمل شغل هاند ميد وأدرب الناس»، ويفكر فى إعادة تشغيل شركته مرة أخرى «بنقدم محتوى كويس للاهتمام بالأطفال»، موضحاً أن البيئة الهادئة التى وفرتها الأم وجعلتها نموذجا للمعيشة كانب سبباً لنجاحه «اتربيت جوة بيئة هادية مثالية ادتنى فرصة أطلع الإبداع اللى جوايا، والفضل فى كل ده يرجع لماما»، وأثناء الامتياز استقرت الأمور لديه بعض الشيء واستطاع حسام صالح أن يتزوج على نفقاته الخاصة لا سيما أنه جمع بين الدراسة والعمل «اتجوزت بدرى عشان اشتغلت كتير وقدرت أجمع فلوس» موضحاً أن زوجته وقفت بجانبه مع والدته وأشقائه «الجواز بيخلى الواحد يستقر ويركز في مستقبله».
ولم يكن حسام هو الابن الوحيد الذى التحق بكلية الطب، فشقيقاه الآخران التحقا بنفس الكلية، لتصبح ميرفت التيجى أماً لثلاث أطباء، وهو ما دفع حسام لتتويجها بنجاحه ومنحها الشهادة التي حصل عليها في حفل التخرج «لبستها روب التخرج عشان ده حقها.. هى الخريجة وهى البطل الحقيقى وصاحبة الفضل علينا بكل التعب اللى تعبته معانا وتستاهل أضعافه، فحسيت إنى عايز اعمل كده بعد ما اتكرمنا»، متابعاً أنه كتب البوست عبر صفحته الشخصية على فيس بوك ولم يتوقع أن يحدث هذه الضجة «ماما اتبسطت جدا وعيطت من الفرحة».
تعليقات الفيسبوك