ذهبت مؤخراً إلى أحد البنوك للحصول على قرض، بناء على بروتوكول بين مؤسسة تربطنى بها صلة عمل وهذا البنك الذى لم يسبق لى التعامل معه. أطلعتنى مؤسستى على شروط التعاقد، وأهمها نسبة الفائدة المتفق عليها سلفاً، لكنى فوجئت حين طلب منى موظف البنك «إياه» أن أوقع، كشرط للحصول على القرض، على عقد مرابحة. والمرابحة أحد عقود الصرافة الإسلامية، وتعنى أن يقوم البنك بشراء سلعة يحددها العميل ويدفع البنك ثمنها نقداً ثم يقوم ببيع السلعة للعميل بثمن مؤجل يدفعه لاحقاً دفعة واحدة أو على أقساط، ويشترط فى عقد المرابحة أن يعرف العميل الثمن الذى اشترى به البنك السلعة ويتم التراضى على ربح البنك الذى يجب أن يتملك فعلياً السلعة قبل بيعها.
فلما سألت موظف البنك: ما علاقة المرابحة بقرض تقليدى مقابل فائدة محددة سلفاً؟ فأجاب: «إحنا بنك إسلامى ولازم القرض يتم بالشكل ده»!
إجابة الموظف لم تدهشنى كثيراً، لأنى كنت أعلم بكثير من حيل البنوك التى تصر على وصف أنشطتها بـ«الإسلامية»، ففى دول الخليج مثلاً كانت بعض البنوك تمنح القروض الشخصية «الربوية» من خلال عقود «التوريق».. والتوريق الشرعى يتم حين يحتاج شخص إلى مال ولا يجد من يمنحه قرضاً حسناً، فيشترى سلعة من البنك بثمن مؤجل، ثم يبيعها «كاش» لشخص آخر «غير البنك»، لكن البنوك كانت تتحايل على ذلك بأن يُوكل المقترض نفس البنك لشراء السلعة. فمثلاً إذا كان العميل يحتاج لسبعين ألف جنيه نقداً، يشترى من البنك «على الورق «معادن أو محاصيل بثمانين ألف جنيه بالتقسيط، ويُوكل البنكَ ببيعها فى السوق بسبعين ألف جنيه نقداً». فى النهاية ما يتم هو فى جوهره قرض شخصى بفائدة محددة سلفاً، وكل ما يفعله البنك أنه يضع عليه «ختم إسلامى».
وحين تعبر عن دهشتك من هذا الاحتيال باسم الدين، يقول لك مسئولو البنك إن لديهم هيئة شرعية أجازت ذلك. وهذا صحيح لكن هذه الهيئات تجيز الإجراءات فقط وتغمض أعينها عن الممارسات الفعلية، أو فى أحسن الأحوال لا تعلم بحقيقة هذه الممارسات التى تخرج بالصيغ الشرعية عن مقاصدها النبيلة. ويكفى أن تعلم أن أكثر من ثلث استثمارات ودائع هذه البنوك يتم فى أدوات الدين الثابتة، التى تحصل المصارف بموجبها على فائدة محددة. مبادئ الاقتصاد الإسلامى تهدف لتحقيق العدالة والحد من جشع واستغلال من يملك المال من يحتاجه، لكن كثيراً من العاملين، وليس جميعهم، فى البنوك الإسلامية يصرفون كثيراً من جهدهم فى تكييف صيغ الصرافة التقليدية لتكون شرعية، إجرائياً فقط، دون أن تحقق أياً من مقاصد الإسلام. فإذا كانت مبادئ الشريعة هدية الله للبشرية، فهدية «أهل الذكر» من المسلمين للناس هى أن يترجموا هذه المبادئ لصيغ عملية تحقق النفع للناس لا أن تستغلهم باسم الدين.