حين يوشك المريض على دخول غرفة العمليات للخضوع لعملية قلب مفتوح، هل نطلب من الطاقم الجراحى أن يلتقى وفداً من الأزهر الشريف لسماع وعظة دينية عن أهمية جراحات القلب المفتوح فى الإسلام؟ أم نتأكد أن الطاقم مؤهل علمياً وعملياً لإجراء العملية المهمة؟ وحين يدخل الطالب الامتحان، هل نجبره على تسميع دعاء الامتحان وتيسير مرحلة دخول اللجان والتعجيل بالنجاح؟ أم نتأكد أنه قام بما ينبغى عليه القيام به من مذاكرة ومراجعة والحصول على قسط وافٍ من النوم وقدر جيد من الغذاء؟ وحين تستعد شركة المقاولات لبناء عمارة شاهقة، هل نطلب من العاملين ترديد دعاء البناء والتأكد من أن لافتة «وما الملك إلا لله» قد تم تثبيتها فى مدخل الموقع؟ أم نتأكد أن مواد البناء غير مغشوشة وأن قواعد التشييد السليمة هى المتبعة؟ وحين يواجه بلد ما معضلة فى ارتفاع معدلات الفقر مع تنامى ثقافة كراهية العمل ومعها الميل إلى «تقليب الرزق» من خلال القيام بأعمال تضمن الحد الأدنى من التعب مع الحد الأقصى من المكسب، هل نوجه خطاباً لفئات الشعب قوامه قيمة الرضا فى الدين والدعاء بأن يرفع الله الفقر عن الفقراء ويرزقهم من أوسع أبوابه؟ أم نوجه لهم خطاباً مفاده أن الطريق الوحيد للخروج من الفقر هو العمل ليلاً ونهاراً؟
ما سبق نماذج من حياتنا اليومية تدور رحاها على مرأى ومسمع من الجميع. وهى نماذج تحولت وقريناتها إلى أسلوب حياة مستساغ ومتداول ولا يثير العجب أو الغضب. تخيل معى، عزيزى القارئ، أننا فى بلد يحمل فيه البعض الشهادة الإعدادية ولا يجيد كتابة أو قراءة اسمه، وفى نفس ذات هذا البلد، يطالعنا هذا العنوان بالبنط الأحمر العريض فى صحيفة ذائعة الانتشار: «اعرف دعاء قبل وبعد الامتحان وعند دخول اللجان».
وقبل قفز القفازين إلى ساحة رشق الاتهامات بكراهية الدين ومعاداة المتدينين، فإن ما سبق لا يعنى مطالبة بالابتعاد عن الدين، أى دين. لكنه يعنى أنه طالما نعتبر أن مظاهر تدين الطبيب أهم من أمارات علمه وخبرته، وأن قدرة الطالب على حفظ أدعية دخول الامتحان أهم من جاهزيته لحل الامتحان، وأن معالجة غش مواد البناء وعدم اتباع قواعد التشييد التى تضمن سلامة المبنى تكمن فى التأكد من أن العمال والمهندسين يهرعون لأداء الصلاة كلما أذن المؤذن، وأن علاج الفقر يكمن فى سرد قصص الأولين عن أهمية الرضا بالأمر الواقع، وأن الأعرابى حين جاء حمل حكمة وموعظة تفيد أن أولوية دخول الجنة للفقراء وليس الأغنياء فإن هذا يعنى أننا نعالج أمراض القلب بأدوية الكبد، رغم يقيننا بأن العلة فى القلب. وهذا لا يعنى أن أدوية الكبد فاسدة أو غير ذات فائدة، لكنه يعنى أننا نخلط بين القلب والكبد، وأن القلب سيظل عليلاً.
علة الآفة البشرية المتمثلة فى الإهمال والبلادة وغياب الضمير ورفض التطوير وازدراء العمل واستحلال تلقى راتب دون القيام بالعمل المطلوب والنصب والاحتيال واللكلكة وانعدام الشعور بالمسئولية ومقاومة التدريب ورفع الكفاءات والمطالبة بالحقوق ودهس الواجبات لا يداويها وفد من الوعاظ والأئمة. يعالجها التعليم والتدريب والتقييم والرقابة وتطبيق القانون.
كلمة أخيرة. حين طالعت خبر استقدام وعّاظ من الأزهر الشريف للعاملين فى السكك الحديدية، تذكرت خبراً مشابهاً قبل عامين عن إرسال قوافل أسبوعية من الأئمة المتميزين إلى العلمين والساحل الشمالى طيلة أشهر الصيف. وعموماً، لو انصلح حال المصطافين والعاملين فى السكك الحديدية، يمكننا تعميم التجربة وإرسال وفد مشابه لإثيوبيا لحل أزمة السد.