يرى البعض أن رشقات الصواريخ التى أمطرت بها الفصائل الفلسطينية أسدود وعسقلان وتل أبيب تضر القضية الفلسطينية أكثر مما تنفعها، وأن الأصوب أن تظل الانتفاضة سلمية.
هذا الطرح يغفل أن الانتفاضة السلمية تواجَه بأقصى درجات القمع والقهر العسكرى، فمنذ يومين سقط 30 شهيداً فلسطينياً، بينهم 10 أطفال، أضف إلى ذلك مئات الجرحى، وبين الجرحى أيضاً أطفال.
كانت تلك حصيلة القصف الإسرائيلى لغزة.
كيف تقاوم سلمياً احتلالاً لا يتردد فى استخدام آلات القتل والسحق فى مواجهة المضارين من سياساته؟
ليس هناك خلاف على أن المقاومة السلمية هى الأمثل، ولكن بشرط ألا تتحول السلمية إلى «سلبية»، لا بد أن تكون المقاومة السلمية إيجابية وفاعلة ومؤثرة حتى يمكن ترجيحها على الكفاح المسلح.
مقاومة غاندى للاحتلال الانجليزى للهند كانت سلمية، لكنها بحال لم تكن سلبية، بل كانت تعتمد على شحن آلة الفعل الشعبى فى إنتاج الطعام والكساء والاعتماد على الذات لاستخدام سلاح المقاطعة فى مواجهة المحتل.
السلام هو الخيار الأمثل عندما يحقق مصالح طرفين، ولا يؤدى إلى ابتلاع طرف لآخر.. وعلينا ألا ننسى أن السلام الذى يريد البعض من الفلسطينيين العض عليه بالنواجذ أفضى بهم إلى مشروع صفقة القرن، وإلى ذلك المشهد الذى وقف فيه ترامب ونتنياهو يعلنان ملامح «اللا دولة الفلسطينية» التى يعتزمان فرضها على الأرض.
لا يعقل أن تطلب من الفلسطينى فى «حى الشيخ جراح» ألا يقاوم أو لا ينتصر للمقاومة وهو يجد المستوطنين الإسرائيليين يقفون فوق رأسه داخل بيته يريدون طرده منه.
اللوم الحقيقى يجب أن يوجه إلى من يستخدم القوة بهدف الاعتداء، كما يفعل المحتل الإسرائيلى، أما من يستخدم ما هو متاح أمامه من أدوات لمقاومة عدو غشوم، فلا لوم عليه، بل يجب عليه أن يفعل ويدفع الأذى عن نفسه.
البعض يسخر من أدوات المقاومة.. ويتحدث عن ضعفها وعدم جدواها.. وحقيقة فإن الواقع على الأرض خلال الأيام الماضية يقول غير ذلك، لكن دعونا نفترض جدلاً بأن صواريخ المقاومة لا تصيب أحداً من الإسرائيليين، لكننى أسأل هؤلاء الساخرين: هل تعلمون ما تفعله هذه الصواريخ فى المواطن الإسرائيلى.. هل تشاهدون المواطنين فى أسدود وعسقلان وتل أبيب وهم يهرولون نحو الخنادق؟
لا يفهم من يتبنون هذا الرأى التأثيرات الكبيرة لـ«وقف الحال» والخسائر الاقتصادية التى تلحق بالاقتصاد الإسرائيلى نتيجة هذا القصف.. وهذا السبب هو ما يدعو إسرائيل فى النهاية إلى إيقاف آلة القتل التى تستعملها مع الفلسطينيين المسالمين.
زمان أيام الرئيس السادات، كان هناك طابور طويل عريض من الناصريين الذين كانوا يراهنون على أن السادات لن يحارب لاسترداد سيناء، وإذا حارب لن ينتصر، وبعض هؤلاء كانوا يرجحون أى حل سلمى على الحرب، وخيب «السادات»، رحمه الله، الظنون وحارب وانتصر.. فكانت أكثر الأسئلة تردداً على ألسنة هؤلاء: «أتكون الهزيمة من نصيب عبدالناصر.. والنصر من حظ السادات؟».