تعرّض صديقى أستاذ الجامعة المرموق بكلية طب قصر العينى للإهانة وكادت تصل للضرب من سائق «توك توك» لمجرد أنه يعاتبه على الاصطدام بسيارته بمنطقة قصر القبة. هذا المشهد للانفلات الأخلاقى يتكرر كثيراً يومياً وأصبح ظاهرة، ومشكلات «التوك توك» تتفاقم وتتعقد حلولها وفاتورة علاجها.
البعض يرى أنه يسهم فى حل مشكلتى البطالة والمواصلات، إلا أن آثاره الاقتصادية والاجتماعية شديدة الخطورة.
على المستوى الاقتصادى، ليست هناك إحصائية دقيقة بأعداد التوك توك فى مصر، ولكنها بالملايين، وقد جذب الشباب للعمل عليه، وتركوا الورش والمصانع والزراعة والتشييد والبناء والسباكة والكهرباء وكل المهن حتى أصبح البلد كله يعانى عجزاً شديداً فى العمالة الفنية ولماذا يعمل الشاب فى هذه المهن طالما أنه يستطيع شراء توك توك ويصبح صاحب مشروع؟ ولماذا يعمل فى الورش والمصانع والمزارع طالما أنه يربح أكثر من التوك توك؟ إن استمرار الأمور بهذا الشكل ينذر بكارثة اقتصادية قد تؤدى إلى إغلاق المصانع وتوقف حركة البناء والتشييد وتبوير الأراضى الزراعية واستيراد عمالة فنية من الخارج. ورغم خطورة الآثار الاقتصادية للتوك توك، فإن الآثار الاجتماعية أكثر خطراً لأن أغلبية العاملين عليه من الأطفال والصبية وبسبب امتلاكهم للأموال فى هذه السن المبكرة، فمعظمهم ينحرف ويومياً نقرأ ونسمع عن حوادث لسائقى التكاتك وجرائم للسرقة والاغتصاب والإدمان وتجارة المخدرات، هؤلاء الأطفال بمثابة قنابل موقوتة فى وجه الوطن قابلة للانفجار فى أى لحظة حيث يفتقدون إلى أبسط قواعد التربية والقيم والأخلاق ولا يحترمون كبيراً أو صغيراً وأصبح من الصعب السيطرة عليهم حتى من أسرهم وهذا واقع حقيقى نعيشه لا مبالغة فيه.
الدولة لا تعترف بالتوك توك ولا تسمح بترخيصه وهو يسير ليلاً ونهاراً أمام عيون مسئوليها فى الطرق السريعة والشوارع العامة والأحياء الراقية وعلى الكبارى والأنفاق الرئيسية وأمام المؤسسات السيادية.
التوك توك ينقل الركاب والبضائع ويحقق أرباحاً دون سداد أى رسوم أو ضرائب فى منافسة غير شريفة مع وسائل المواصلات المماثلة التى يسدد أصحابها مستحقات الدولة.
لا أعلم إذا كان ما زال هناك استيراد التوك توك، أم يتم تصنيعه فى مصر؟ وما مدى إمكانية الاكتفاء بما هو موجود فقط مع وضع حلول حاسمة تحافظ على حقوق الدولة والمواطن، وتقضى على آثاره الاقتصادية والاجتماعية السلبية، لأن هناك بعض مُلاك أو سائقى التوك توك محترمين وهو مصدر دخلهم الوحيد.
الأخلاق هى أساس تقدم الدول وتأتى فى مرتبة متقدمة قبل حتى القوة الاقتصادية والعسكرية، ولذلك فإن علماء أجلاء أمثال د. محمد غنيم، د. أحمد عكاشة، صلاح الغزالى حرب يطالبون بالاهتمام بالدراسات الإنسانية وبالأخلاق العلمية وتدريس القيم للأبناء فى جميع مراحل التعليم بجانب قيام الإعلام والفن والثقافة بدورهم فى ترسيخ هذه القيم حتى نضمن لبلدنا مستقبلاً أفضل.
ختاماً: المولى تبارك وتعالى وصف رسوله الكريم بأنه على خلق عظيم، وسيدنا محمد قال عن نفسه إنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، ومن أروع إبداعات أمير الشعراء أحمد شوقى: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم، فأقم عليهم مأتماً وعويلاً، صلاح أمرك للأخلاق مرجعه، فقوّم النفس بالأخلاق تستقم»، ويقول أمير الشعراء أيضاً «بالعلم والأخلاق يبنى الناس ملكهم لم يُبن مُلك على جهل وإقلال».