تاريخ اليهود في القدس من سيدنا موسى إلى هرقل: تآمروا مع الفرس ضد الروم
المسجد الأقصى بالقدس
سرد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، ملامح من تاريخ اليهود مع القدس الشريف بدءا من عهد سيدنا موسى وحتى هرقل زعيم الروم، كاشفا تآمرهم ضد الأخير لصالح الفرس حينها وهي المعركة التي تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الروم.
وأوضح جمعة في تدوينة عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك ضمن سلسلة تدوينات تحكي تاريخ فلسطين والمدينة المقدسة والعدوان الصهيوني عليها أنه قد خرج سيدنا موسى عليه السلام بقومه من بني إسرائيل من مصر بعد أن أظهره الله على فرعون وملئه فأغرقهم في البحر، وجاز بهم صحراء سيناء نحو الأرض المقدسة وقال لهم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة:21].
رفضوا جبنا وخوفا
وواصل: إلا أنهم رفضوا جبنا وخوفا; فقضى الله عز وجل أن يتيهوا في الصحراء أربعين عاما، قال تعالى: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ) [المائدة:26] وخلال هذه الأعوام الأربعين ظلوا تائهين في الصحراء حتى أخرجهم الله منها.
عهد داوود وسليمان
وجاء سيدنا داود عليه السلام ملكا على القدس بعد أن استتب الحكم لبني إسرائيل في المدينة، وبعد سيدنا داود تولى سيدنا سليمان مقاليد الحكم، وقام بإعادة بناء المسجد الأقصى عام 950 قبل الميلاد.
كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو يرفعه: أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثا: سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد الأقصى ألا يأتيه أحد لا يحركه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه (سنن النسائي).
ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي من الحجاز فيدخل فيصلي فيه ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء; مبالغة منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها؛ لتصيبه دعوة سليمان عليه السلام (مجموع الفتاوى).
مملكة بني إسرائيل
وبعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام انقسمت مملكة بني إسـ رائيل إلى مملكتين ودارت بينهما الحروب الكثيرة. وفي عام 599 ق.م غزا البابليون القدس ودخلها نبوخذ نصر وسبى جميع من فيها وأرسلهم إلى بابل فيما يسمي تاريخيا بـ السبي البابلي.
وعندما تولى قورش عرش فارس تزوج من يهودية; فتنفس اليهود الصعداء، وبطلب من زوجته أذن لمن شاء منهم بالعودة إلى القدس، وسمح لهم بتجديد الهيكل وبناء المدينة; إلا أنه لم يمكنهم من بناء سور لها، ولم يتمكنوا من بناء سور لها إلا في عهد دارا عام 445 ق. م.
الإسكندر والبيزنطيين
وفي عام 332 ق. م احتل الفاتح المقدوني الإسكندر الأكبر القدس; فدخلها ناويا تدميرها وقتل من فيها; إلا أن اليـ هود هرعوا لاستقباله خارج المدينة يتقدمهم الشيوخ والكهنة طالبين العفو; فسكت عنهم وأقرهم على عاداتهم وأعفاهم من الجزية.
وبعد وفاته عانى سكان المدينة الشدائد على يد قواده الذين اقتسموا مملكته بينهم، ففي عهد بطليموس دك حصون المدينة وبطش بسكانها وأرسل منهم مائة ألف أسرى إلى مصر عام 320 ق.م.
وفي العهد البيزنطي تنفس النصارى الصعداء; لأن قسطنطين تولى عرش الأباطرة، ولم يسمح لهم ببناء الكنائس فقط والانتشار في مملكته، بل تنصر هو نفسه، ولم يمض وقت طويل حتى زارت أمه هيلانة القدس وقامت ببناء كنيسة القيامة (335 م) وخربت البناء الذي كان على الصخرة، وجعلتها مطرحا لقمامات البلد عنادا لليهود، وفرض قسطنطين على اليهود أن يتنصروا، فتنصر فريق منهم ومن لم يتنصر قتل أو غادر البلاد. (صبح الأعشى).
ولما اعتلى جوليان الجاحد عرش بيزنطة (360م) ألغى اضطهاد اليهود، وأمر بإعادة بناء الهيكل، إلا أن الأمر لم يتم، وبعد وفاته عام 451م انقسمت الكنيسة إلى شرقية وغربية وكانت كنيسة القدس تتبع الكنيسة الغربية، وعندما تولى جوستانيان الحكم بنى كنيسة العذراء في موضع المسجد الأقصى الحالي (تاريخ القدس).
عهد هرقل
وفي عهد هرقل (610 - 614م) دب الضعف في الدولة البيزنطية فلم يستطع الوقوف في وجه كسرى الذي أرسل جيوشه فاحتل القدس (614م) وذبح من سكانها تسعين ألفا، وساعدهم اليهود في محاربة النصارى وتخريب كنائسهم، وأقبلوا نحو الفرس من طبرية وجبل الجليل وقرية الناصرة ومدينة صور وبلاد القدس; فنالوا من النصارى كل منال، وأعظموا النكاية فيهم، وخربوا لهم كنيستين بالقدس، وحرقوا أماكنهم، وأخذوا قطعة من عود الصليب، وأسروا بطريرك القدس وكثيرا من أصحابه.
إلا أن هرقل جمع شتات جيشه في عام 627 م، فغلب الفرس بحيلة دبرها على كسرى حتى رحل عنهم، ثم سار من قسطنطينية ليمهد ممالك الشام ومصر ويجدد ما خربه الفرس منها، ودخل هرقل القدس عام 629 م حاملا على كتفه خشبة الصليب التي استردها من الفرس وانتقم من اليـ هود على فعلتهم، فراح يقتل منهم المئات (المواعظ والاعتبار).هذه الوقائع بين الروم والفرس، لخصها القرآن الكريم على وجه الإجمال، فقال تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) [الروم:1-3].