«الإرث المر» أبشع جرائم الدم والنار في الصعيد: منها مذبحة أبو حزام
مجزرة في قنا - أرشيفية
«لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.. أزيزه المتدفق هو لغة التفاهم والحوار».. هكذا تٌخمد النيران في نفوس وقلوب أهالي الصعيد، بعد أن يستسقى الدم بالدم، ويسيرون على نهج العادة الجاهلية التي ما زالت تتحكم ببعض المجتمعات العربية، خصوصًا الريفية، أو هؤلاء الذين ينزحون تجاه المدن ويحملون على أكتافهم الإرث المر.
«الثأر» معتقد أصيل تتوارثه الأجيال تباعًا كما يتوارثون الأراضي والأطيان، فلا يكلف أحد نفسه في البحث عن السبب الأول في عملية القتل التي شرعتها الأعراف البالية، بل يضع الفرد كل تركيزه في إجابة سؤالين« هموت كام واحد.. وإيه الخطة» حيث تتحكم العادات والتقاليد في مسألة الثأر، الأمر الذي جعلها طقس عقائدي، حتى تعود الكرامة والعزة لهم.
جرائم لعنة الثأرعديدة لايمكن حصرها، ولعل آخرها ما يعرف بـ مذبحة أبو حزام، التي وقعت مساء أمس الأربعاء، في قرية أبو حزام التابعة لمركز نجع حمادي بمحافظة قنا، حيث لقي 8 مصرعهم وأصيب 5 آخرين، في مشاجرة بالأسلحة النارية بين عائلتي «السعدية والعوام» بسبب خلافات قديمة بينهما، ولكنها تجددت مؤخرًا، حيث تبادل الطرفان إطلاق النيران من الأسلحة الآلية الثقيلة.
وأسفرت الخسائر الأولية عن العدد السالف ذكره ما بين قتلى ومصابين، وطوّقت قوات الأمن المركزي هذه القرية، فيما تبذل الأجهزة الأمنية جهودها لضبط مطلقي النار والمنفذين.
وتعد تلك الجريمة ليست الأولى في محافظات الصعيد، من حيث شراسة الاشتباكات أو عدد القتلي التي خلفتهم، لذا تستعرض «الوطن» في هذا التقرير بعضًا من هذه الوقائع التي هزّت محافظات الصعيد.
مذبحة بيت علام
سلسال من المناوشات والاشتباكات المسلحة على فترات متباعدة بين عائلتي «الحناشات وعبد الحليم» تحولت إلى معارك ثأرية يستعرض كل طرف فيها قوته وما يحوزه من أسلحة ثقيلة، وفتحت شلالا من الدم على فترات متقاربة، منهم 23 شخصًا من عائلة الحناشات، يوم السبت الدامي الموافق 11 اغسطس 2002.
بدأت الواقعة عام 2001، حيث قُتل شخص من عائلة الحناشات، واتهموا فيه أحد أفراد عائلة عبد الحليم، ليحصل بعدها على حكم بالبراءة لعدم كفاية الأدلة، وبعدها تربص أفراد من عائلة الحناشات بعميد عائلة عبد الحليم، المدعو «همام» قتلوه وأصابوا نجله، ليرد أفراد عبد الحليم بقتل 23 شخصًا من الحناشات كانوا يستقلون سيارتين في طريقهم لحضور محاكمة أحد أقاربهم، وانتهت هذه المأساة بعقد صلح بين العائلتين، فيما نفذت وزارة الداخلية، لاحقا، حكم الإعدام شنقا بحق 6 من عائلة عبد الحليم، وهو الحكم الذي أصدره القاضي الراحل أبو المجد علي عيسى.
مذبحة بني مر
وإلى أسيوط، وتحديدًا عام 2012، قُتل تاجر وشقيقه ونجله، وأصيبت زوجته ونجله الأصغر، في إطلاق نار كثيف تعرضوا له داخل منزلهم بينما كانوا يتناولون وجبة الإفطار في شهر رمضان المعظم.
الحادث كان بسبب مشاجرة لم يكن للضحايا طرف فيها، ووقعت مشاجرات ومشادات بين مجموعة من الهاربين من أحكام جنائية، وقُتل فيها إثنان منهم، وظنّ أهلوهم أن مالك المنزل المجني عليه هو المتسبب في قتلهم، وحضرت مجموعة مسلحة، وزعوا الأدوار فيما بينهم، ما بين محاصرة المنزل واقتحامه وتنفيذ القتل، وهو ما حدث فقتلوا التاجر مالك المنزل وشقيقيه ونجله الذي كان على بعد خطوات من تعيينه بالنيابة الإدارية، وأصابوا زوجة التاجر ونجله الأصغر.
عرض مستمر
كل ما سبق هو جزء لا يتجزأ من عرض مستمر في قرى الصعيد ونجوعه، إلا أن مذابح كبيت علام وأبو حزام وبني مر، كان لها نصيب الأسد في الأعداد التي سقطت جراء الأحداث، لكن هناك حوادث يومية وملفات ثأر تنتظر قبضة أمنية حاسمة مصحوبة بتحسين معيشة الناس في هذه الأماكن ورفع الوعي بأهمية وقف هذه العمليات التي تجلب خرابًا تتوارثه الأجيال، وهو ما تفعله الدولة موخرًا متمثلا في مبادرة تطوير الريف المصري.