كانت مصر والسودان دولة واحدة، تحت تاج واحد هو تاج الملك فاروق.
كذلك كان الوضع بعد إخفاق مشروع محمد على الإمبراطورى، وتوقيعه على اتفاقية 1840 التى تقضى بأن تكون حدود الدولة المصرية ممتدة من مصر إلى السودان تحت حكم محمد على وأبنائه وأحفاده.
وحتى بعد اتفاقية الحكم الثنائى (المصرى الإنجليزى) عام 1899 ظلت مصر والسودان دولة واحدة.
ظلت السودان لمصر، ومصر للسودان، كانت العلاقة بينهما علاقة وحدة بالأساس، ولم يكن ثمة أى حدود نفسية فاصلة بين المصرى والسودانى أو السودانى والمصرى.
ولعل أكبر دليل على ذلك أن اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية بعد ثورة 52 من مواليد السودان وقد ولد لأم مصرية من أسرة كانت تعيش بشكل كامل فى السودان، والرئيس أنور السادات ولد كما هو معروف من أم سودانية.
الشعبان المصرى والسودانى كانا يعيشان بمنطق الشعب الواحد، ومن كان يحاول بناء الحواجز النفسية بينهما هو الاستعمار الإنجليزى الذى كان يعمل بكل طاقته على عزل السودان عن مصر، ومن هنا كان السعى لفكرة الحكم الثنائى التى تحققت عام 1889.
كان الإنجليز على استعداد لترك مصر وسحب قواتهم منها مقابل أن تترك مصر «السودان»، وهو الأمر الذى أجمعت القوى الوطنية على رفضه تماماً.
ويشير سعد زغلول فى مذكراته إلى عرض عجيب قدمه له الإنجليز خلال فترة النفى، يشتمل على انسحاب الإنجليز من مصر ومنحها الاستقلال التام الذى تطالب به، بل وتولية سعد باشا ملكاً على مصر، مقابل أن تنسحب مصر من السودان وتتخلى عن حكمه، وهو العرض الذى رفضه سعد زغلول بشكل حاسم سنة 1919.
مر على هذا العرض سنوات عديدة، حتى حصل السودان على الحكم الذاتى بعد قيام ثورة يوليو بأربع سنوات، وبالتحديد عام 1956، وهو العام نفسه الذى شهد جلاء آخر جندى إنجليزى عن مصر. اختلفت طبيعة العلاقة بين الدولتين منذ ذلك التاريخ ما بين فترات شهدت قرباً وصل إلى حد طرح فكرة التكامل وذلك خلال عهد الرئيس السادات، وفترات أخرى حدث فيها نوع من التباعد.
الفصل الذى حدث بين الدولتين كان الخطوة الأولى للمحنة التى تعيشها الدولتان حالياً فى مواجهة أزمة سد النهضة، والسعى الإثيوبى المحموم لانتقاص حقهما فى ماء النيل.
ثم كانت الخطوة التالية فى فصل جنوب السودان عن شماله، وهى واحدة من أخطر الخطوات التى مهدت لحالة التفلت التى تعيشها إثيوبيا حالياً.
حالياً يعيش السودان فصلاً جديداً من فصول الخلاف بين الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة ونائبه الأول محمد حمدان دقلو (حميدتى)، ولا يستطيع أحد أن يحدد على وجه الدقة النتائج التى يمكن أن يتمخض عنها الخلاف، لكننى أخشى أن تصب فى خدمة العدو الأول لكل من مصر والسودان.
الأحداث سوف تتزاحم -فى تقديرى- خلال الأيام المقبلة.. والحسم فى ملف النيل أصبح هو الملاذ الأخير لكل من مصر والسودان.