زحام كبير، تجمع الكثيرون حول مسجد السيد نفيسة يوم الجمعة، لأداء الصلاة، منهم من جاء ابتغاء وجه الله يرجو رحمته ويخشى عذابه، ومنهم من حضر تبركًا بالمسجد الشريف وطمعا في نفحات «أم العواجز» يدعون ويتركون دعواتهم في رحابها، آملين من الله استجابتها، ثم ينتهون من الصلاة والذكر وينصرف كل منهم لحياته، إلا واحدًا، يأتي قبل الجميع ولا ينصرف معهم، حبًا وتبركًا بصاحبة المقام، حاملًا وردا في يده وبسؤاله لمن هذه الورود؟، يجيب «دي للست نفيسة».
أحمد محمود، رجل في الأربعين من عمره، ذو هيئة منظمة، لا يبدو عليه أنه من «مساكين السيدة»، تلازم وجهه أنه يرتدي نظارة سوداء، وفي يده يمسك بباقة من الورود، ما إن تنتهي الصلاة، حتى يبدأ في ذكره، وحده، لا ينتظر أحدا أو يهدف لشهرة أو صيت، يفعل ذلك على مدار 30 عاما مضت، دون أن يكل أو يمل، ويجد سعادة روحه في التواجد برحاب «أم العواجز».
ينتهي «عم أحمد» من الصلاة، ثم يذهب إلى باب خلفي لمسجد السيدة نفيسة، يتجمع عنده من يريد أن تتوسط لها السيدة بخصوص دعوة بعينها، ولكنه ليس من هؤلاء، وإنما جاء لتقديم باقة الورود اليومية للسيدة نفيسة، يضعه أمام الباب على الأرض ويقرأ الفاتحة ثم يسير إلى مصالحه.
«يا ست نفيسة، يا نفيسة العلم، ياللي ربنا جعلك أنت لينا بعد جدك مغيثة».. هكذا ينادي ابن المطرية أمام مسجد السيدة، وبداخله اعتقاد بحسب حديثه لـ«الوطن» أنها تسمعه جيدًا، وتشعر به، وإذا غاب عن المكان ولم يأت يومًا لمرض أو علة ما، يغلب الحزن على المكان، لذا يحرص على التواجد يوميًا.
يحكي الرجل الأربعيني سبب تعلقه بالمسجد، منذ طفولته، حينما كان مستمرا في الذهاب لهناك مع والده، وبعد أن اشتد عوده، غاب لـ3 أعوام عن السيدة نفيسة، وذات يوم، جاءه صوتها في المنام يلومه على غيابه الطويل، ففزع وهرع مسرعا إلى الميجد ليجد نورها مضيئا وهناك مولد أمام مسجدها، «هنا عرفت إني لازم أعيش ف المكان ده، أنا روحي هنا ومقدرش أفوت يوم من غير ما أزور كريمة الدارين».
بعد سنوات من التردد على المنزل نقل، «عم أحمد» محل إقامته إلى منطقة السيدة نفيسة، حتى بكون بجوار السيدة نفيسة، «أنا بقوم كل يوم الصبح أروح شغلي في الكافية بتاعي، وأرجع على بتاع الورد يبقى مجهزلي بوكيه منقيه بالواحدة، وأخده أقدمه على باب (الست) اللي خيرها عليا وعلى الكل، أنا ولا شحات ولا محتاج، أنا عاشق لتراب السيدة نفيسة، ووهبت نفسي لخدمتها وسيبت عشان خاطرها الجواز، وأي شىء يعطلني عن زيارة المسجد».
تعليقات الفيسبوك