لخّص محمد حسنين هيكل مفتتح الأمر كله، حين قال عن أول لقاء له باللواء وقتها عبدالفتاح السيسى: «وجدت رجلاً على دراية كبيرة بملفات مصر كلها!».
كان المصريون عامتهم وخاصتهم يتساءلون: «إزاى عندنا كل السواحل دى وكل البحيرات دى ونعانى من أزمة أسماك ونستوردها من الخارج»؟! وكانوا يتساءلون: «إزاى عندنا الشمس دى بهذا الشكل وكل هذه الشهور فى السنة ولا نستغلها ولم ندخل عصر الطاقة الشمسية بشكل فعال وفارق وحقيقى؟»! وكانوا -عامتهم وخاصتهم- يتساءلون: «كيف يكون لدينا كل هذه المعادن والرمال النادرة وتُصدر للخارج كمادة خام لنشتريها فيما بعد بأضعاف ثمنها؟»!
كان المصريون يتساءلون فى حسرة: «كيف يكون عندنا شريان حياة نشرب منه ونزرع منه ثم نتركه نهباً للفساد والتلوث؟»! ويتحسرون أكثر وهم يتساءلون: «كيف تكون لدينا كل هذه المساحة من الأرض دون تعمير أو دون رؤية للاستفادة المثلى منها؟»! وكانت أعينهم تحتشد فيها الدموع ولسان حالهم يقول سراً غالباً وعلناً أحياناً: «كيف يستقيم الحال وحاميها حراميها والفساد فى كل مكان وفساد من ينبغى أن يكونوا قدوة أكبر مما نتصور وكيف سيلتزم الموظف الصغير ووزيره تزكم رائحته كل الأنوف؟»!
كانوا -عامتهم وخاصتهم- يتهامسون: «هذا المشروع بتاع فلان.. وهذه الأرض ملك لفلان.. وهذه المؤسسة ملك لفلان شكلاً.. لكن صاحبها الحقيقى هو فلان الفلانى»!!! وطال الهمس أسماء كبيرة وكبيرة جداً جداً!!!
وكانت التساؤلات لا تتوقف: عندنا مصانع شُيدت بالعرق والدم، لماذا يبيعونها وبثمن بخس ويشردون من فيها ثم نشكو من البطالة؟ كيف نحارب الإرهاب ونصرخ منه ثم نترك هؤلاء يعبثون هنا وهناك؟! وفلان يطل على الناس من شاشة الدولة -شاشتنا نحن المصريين- الرسمية؟! كيف هى جماعة إرهابية ومحظورة ومنحلة وتدير فى بلادنا كل هذه الشركات وبكل هذه الثروات ولهم نواب فى البرلمان بما يعادل خُمس عدد نواب المجلس؟!
ثم يتحول الهمس إلى حسرة حين يقولون -عامتهم قبل خاصتهم-: ماذا جرى للتعليم فى مصر؟! أين التعليم أصلاً؟! التلاميذ بل وطلبة الجامعات يتخرجون ليس فقط لا يجيدون العمل فى تخصصاتهم بل لا يجيدون الكتابة باللغة العربية نفسها! والتلاميذ صار الغش الجماعى بينهم طريقاً للخلاص من ملل عام دراسى طويل، وقطاعات من المعلمين لا همّ لهم إلا الدروس الخصوصية!! وأين ذهب الفناء المدرسى؟ تآكل وانتهى. أين ذهبت حصة الرياضة؟ أين ذهبت حصة الموسيقى.. بل أين ذهبت حصة الأشغال والتدبير؟ ومَن ألغى مادة التربية القومية؟ بل من ألغى الإرشادات التى كانت موجودة خلف كراسات المدرسة؟!
ثم تحتشد الدموع فى العيون مرة أخرى وهم يتساءلون ضرباً بكف على الأخرى: أى دولة تلك التى يذهب أبناؤها إلى المستشفيات العامة فيحملون معهم المحاقن والشاش والقطن والأدوية، وإذا ذهبوا إلى المستشفيات الخاصة، فسيتحول الأمر إلى موت وخراب ديار تصادر جثث موتاهم لحين الدفع ويعود مصابو حوادث الطرق من على الأبواب دون أى التزام أخلاقى أو طبى بعد أن تحول الأمر عند البعض إلى تجارة فى تجارة؟!
كيف يعيش الناس فى بلد كهذا؟ رموزه لصوصه ووقوده أهله وبسطاؤه؟!
قبل أن تبدأ الـ٢٥٥٥ يوماً منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية دارت فى ذهنه كل هذه المآسى.. ربما انشغل أولاً باسترداد مصر مع شعبها من العصابة التى كانت هناك.. ثم راحت الملفات بتفاصيلها تتدفق فى ذهن الرجل ومنه والمدهش أنها تفجرت من الذهن إلى الواقع فى وقت واحد.. الطرق مع الصحة.. التعليم مع الصناعة.. وقف الخصخصة مع الحرب على الفساد.. استعادة قوة الشرطة مع بناء جيش حديث قادر على حماية مصالح مصر وليس حدودها فقط.
من الزراعة واستصلاح الأراضى إلى رعاية الصيادين وبناء أسطول صيد مصرى والمزارع السمكية وتطهير البحيرات من ناصر جنوباً إلى المنزلة شمالاً.. ومن بناء الإسكان الاجتماعى إلى بناء المدن الجديدة بطول مصر وعرضها بعضها ليس كظهير لعواصم المحافظات والمدن الكبرى بل هناك أظهر جديدة لمدن عادية وصغيرة!
فتح الملفات فى وقت واحد من الغاز المهدر والمسكوت عنه إلى محطات كهربائية نقلتنا من المعاناة مع الكهرباء إلى تصديرها.. ومن توليد الطاقة من الشمس إلى الرياح إلى النووى.. ومن تعمير سيناء وتنميتها إلى استنهاض صناعات مهمة كانت فى طريقها للموات كالغزل والنسيج والكيماويات.. ومن التصدى لعار العشوائيات الذى كان شاهداً ودليلاً على استقالة الدولة المصرية من مسئولياتها الأربعين عاماً الكاملة السابقة على ٢٠١٤ إلى النهوض بالريف المصرى فى مبادرة طموحة وشجاعة للريف وحده.. ومن ١٠٠ مليون صحة إلى دمج فئة عزيزة وغالية فى مجتمعنا من أصحاب الاحتياجات الخاصة.. ومن جهود استرداد أفريقيا التى ضاع منها النفوذ المصرى إلى التأثير الكبير فى المحيط العربى ومن عمل دءوب لدور أكبر كثيراً لوزارة الهجرة إلى ندية الدبلوماسية المصرية مع أكبر دول العالم فى كافة المحافل الدولية.
انتهت المساحة المخصصة للمقال.. دون أن نتمكن حتى من المرور السريع على ما قد تم فى ٢٥٥٥ يوماً عاشها شعبنا مع الرئيس.. بين المعاناة والعمل والأمل..
وللحديث بقية.