من علامات الشيخوخة والتقدم في العمر، ضعف الذاكرة وأحياناً الإصابة بمرض «ألزهايمر»، فكيف لهذا المرض اللعين أن يتخابث ويفرق بين أم وأبنائها الثلاث، هذه المأساة عاشتها الحاجة «مديحة» لليلة كاملة، بعد أن تغيبت عن أولادها، وحضنها الشارع وأواها الرصيف وافترشت ونامت إلى جانب مشردي الشوارع، بعد أن كانت مُنعمة ومُدللة في بيتها بين أبنائها، هذا القدر والحظ العسير بسبب «ألزهايمر».
مديحة محمد عبدالمقصود، والتي تبلغ 72 عاماً، ومن سكان منطقة جسر السويس التابعة إلى حي عين شمس، تعيش حياة هنيئة وتعنم بهدوء وراحة بال، رغم انفصالها عن الواقع وأحداثه المزدحمة بسبب مرضها، إلا أنها لم ترى سوى الخير والمعاملة الطيبة وسط أبنائها الثلاث «شريف، مصطفى، محمد»، ولسوء الحظ منذ يومين، قرر مصطفى يونس نجلها، أن يأخذها في زيارة إلى جامع السيدة زينب للصلاة هناك والدعاء، والاستمتاع بالروحانيات التي يفرضها المكان، حتى تغيبت عن أنظاره هو وزوجته، وخرجت بمفردها ولم يجدانها: «إحنا مش متعودين نخرج ماما بس قولت تصلي هناك في السيدة وتشم نفسها شوية وبعدين كانت مع مراتي واختفت عننا وقعدنا ندور عليها مش لاقينا كنا قلوبنا كأن فيها سكين عشان مش عارفين أمنا فين ومع مين وبتنام فين».
أنتي فين يا ماما؟
وفي الساعات القلية التي تغيبت فيها الأم، شعر الأبناء وكأنهم فقدوها إلى الأبد وخيم الحزن بينهم: «لا كنا بناكل ولا نشرب فكرة أن أمنا مش عارفين هي فين طب هي ست غلبانة قوي وطيبة وعندها ألزهايمر ومتعرفش أي حاجة خالص الخوف كان بياكل في قلوبنا» وبحسب «مصطفى» كتب منشور على الفيسبوك بصورة والدته، وخرج مع أشقائه الاثنين يبحثون عن أمهم داخل المستشفيات ودور الرعاية: «كنا بننده عليها بميكروفونات في الشارع».
متى أصيبت بألزهايمر؟
يقول «مصطفى» نجلها إنها بعد تخرجها من المعاش بعامين فقط، دخلت في حالة شديدة من الاكتئاب وهو الذي أدى إلى إصابتها بهذا المرض وجعلها تتذكر حياتها القديمة فقط.
ويحكي «مصطفى» أنه عندما رأى والدته مرة أخر هو واشقائه الاثنين، شعر وكأن كان متوفياً وأحياه الله مرة أخرى: «ده روحي أنا وأخواتي ردت لنا.. وده شعور ميتوصفش أبدا».
ولاد حلال
إصابة السيدة «مديحة» بألزهايمر، جعلها تفقد ذاكرتها الحديثة، وتحتفظ بالقديمة فقط وهي عندما كانت صغيرة، وهنا تخلت الأقدر الطيبة وقابلتها السيدة فاطمة حنفي إحدى سكان منطقة الشرابية، وتبلغ من العمرة 56 عاماً، والتي استضافت «مديحة» لليلة كاملة داخل بيتها، وأحسنت ضيافتها: «لاقيت اتنين جابوها ونزلوها قدام جامع السيدة زينب وأنا كنت هناك بالصدفة بصلي واستغربت الموقف الاتنين اللي سابوها كده وشوية ورجعت لقيتها راحت نايمة مكان ما هي قاعدة.. قطعت في قلبي قوي سألتها حسيتها تايه ومش عارفة غير اسمها وابنها شريف وأنها من سكان منطقة السيدة زينب» وبحسب «فاطمة» قررت أن تساعدها في العودة إلى حضن أولادها مرة أخرى: «خدتها البيت وكلنا وشربنا وقعدنا بعدين ولادي صورها ونزلوا صورها على الفيسبوك ونزلوا 3 أرقام ليهم كلهم عشان اللي يلاقيها أو يتعرف عليها يكلمنا وفي خلال 10 دقايق ولادها شافوا البوست وكلمونا وجولنا البيت عشان ياخدوها».
وقالت «فاطمة» إن إصابة هذه السيدة البريئة ذات الملامحة الملائكية، بمرض ألزهايمر جعلها تفقد نصف ذاكرتها: «مش فاكرة حاجة غير المكان اللي اتولدت فيه السيدة زينب وولادها».
تعليقات الفيسبوك