مخطئ من يعتقد أن مصطلح الجمهورية الجديدة الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الفترة الأخيرة قائم على فكرة بناء مدن جديدة وطرق حديثة ومصانع ومدارس وتحديث لمنشآت الدولة، بقدر ما هو قائم على تحديث فكر إدارة المستقبل وتجهيز الدولة بكل مفرداتها ومؤسساتها للانتقال إلى هذا المستقبل.
فالجمهورية الجديدة لها بُعدان، أولهما مؤسسى وثانيهما فلسفى. وينطوى البُعد المؤسسى على دعم المؤسسات لتنهض بمسئوليتها على النحو الذى نتطلع له جميعاً فى المستقبل، أما البُعد الفلسفى فيعكف عليه الأدباء والمفكرون والشعراء لتشكيل المكون العقلى الذى يقود القاطرة نحو التطوير والتنمية بمفردات وطرق تفكير حديثة تواكب هذا الانتقال المؤسسى، وتكون مؤهلة للتعامل معه وإدارته، تأكيداً على ارتباط الجمهورية الجديدة بفكرة التحول الاجتماعى وأهمية الخلاص من منظومة بالية من القيم والتقاليد والأفكار التقليدية المتهالكة والاتجاه نحو تفكير علمى تنموى جديد.
والحقيقة أن السؤال الذى يطرح نفسه وبشدة هو.. هل نحن اليوم حقاً على طريق دولة جديدة وربما جمهورية ثانية؟ فى الواقع لن نعثر على الإجابة من خلال انطباع ذاتى أو تنظير فلسفى. الجمهورية الجديدة تكتسب تسميتها وجدارتها بقدر ما تنجح فى إقامة مؤسساتها الحديثة الكفء، وقيمها الأخلاقية، ونزاهة مسئوليها، ودورها الطموح فى سباق التنافس العالمى، وقدرتها على مكافحة الفساد، وإرساء دولة القانون، وكفالة العدالة الاجتماعية لمواطنيها، وإثبات فاعليتها بإنجازات نوعية ومتراكمة. ليس مطلوباً أن تحقّق دولة أو حكومة درجة النجاح الكاملة فى سبع سنوات، لكن المطلوب هو أن نقيّم بإنصاف الإنجازات على ضوء التحديات. وأن يكون فى قلب التحديات سعينا المستحق لصياغة عقد جديد تتوازن فيه الحقوق والواجبات بين الدولة والمجتمع، سواء بسواء.
وحقيقة الأمر أن إطلاق العاصمة الإدارية الجديدة 2015، كان النبت المادى لتشكيل مفهوم الدولة الجديدة كرؤية لاستراتيجية الحكم والإدارة، التقنية، التنظيم، الخدمات، حركة الاستثمار والعمران، الانضباط، الوعى، والثقافة، التى لم يقصد بها الانسلاخ عن جسم مصر أو رفعها درجة، وإنما كنموذج، سيقبل التكرار ونقل تجربته لباقى المحافظات، كُلٌّ بما يستوعبه.
ولكنى أرى ضرورة وجود جهد موازٍ لبناء المواطن كأهم وأخطر مكون للدولة، والذى يحتاج لإعادة بناء لقيمه، ومفاهيمه بما يُترجم بسلوكياته وتعامله مع الآخر ومع المستقبل الجارى بناؤه، ورغم تأخر موقع تطوير الإنسان بخطة بناء الجمهورية الجديدة، فإن التراكمات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، تتحكم جينياً بالمصرى الجمهورى من 1952، وبمنظومة تحليله والتصدى بالتقييم والتصحيح لقيمه ومفاهيمه.. فهو المعاصر لنكسة ونصر وثورة وفوضى وتشتت رؤية وتدجين لمدة 62 سنة، لتجعله يغلى ويتحلل ببوتقة المسئولية والشفافية والأداء.. ولا شك أن بناء دولة وجمهورية جديدة لحكم وإدارة الإنسان المصرى، يحتاجان لعلاج وتنقية ملفات الإخوان والدولة الدينية ونكسة الإعلام وارتجاليات الإدارة والقرار بالمؤسسات، لتبدأ الدولة المصرية الوسطية الحديثة (لا دينية ولا علمانية، بل دولة وسطية قائمة حقيقة بالممارسة قبل القول على المواطنة.
الجمهورية الجديدة تحتاج من كل مواطن مصرى إلى أن يبحث عن إجابة صادقة لسؤال مطروح.. ماذا يريد من المستقبل؟؟ خصوصاً أن هذا المستقبل يحتاج إلى جاهزية واستعداد جماعى لإدارته، لأنه فى الجمهورية الجديدة لا مكان للمشاهدين بالمدرجات، الكل يجب أن يكون حاضراً بملعب المستقبل مشاركاً وليس مشاهداً.. ذلك هو أهم متطلب لنجاح الجمهورية الجديدة الجارى بناؤها.