بغض النظر عما يدور ومتداول حول الدور الإماراتى فيما تشهده تونس من أحداث دراماتيكية مؤخراً، هل يمكن القول إن الأوضاع الداخلية فى تونس كانت مستقرة؟ هل تونس فى الآونة الأخيرة كانت تشهد ازدهاراً اقتصادياً ونهضة سياسية وحزبية؟ هل صراع وفساد الأحزاب كان بعيداً عن الحياة السياسية؟ هل كانت البطالة فى أضيق نطاقها ولم يشتك أحد من الفقر والجوع والعوز؟ هل كانت المنظومة الصحية فى أوج نجاحها ولم يتعرض قطاع الصحة لأزمة عاصفة وضعته على حافة الانهيار، بعد أن كشف وباء كورونا مدى الضعف والتدهور الذى تعانى منه المنظومة الصحية؟! هل نستطيع القول إن تونس مرفهة سياسياً واقتصادياً لدرجة جعلت الناس تمل هذا الرفاه الاجتماعى والسياسى! فخرجت إلى الشوارع تعلن رفضها لهذا الرخاء طلباً لتغيير الأوضاع المملة التى يعيشونها من شدة هدوئها واستقرارها؟! تماماً مثلما يفعل الكثيرون من أبناء الشعب السويسرى الذين يؤثرون الانتحار من شدة الملل والحياة الرغدة والرخاء الذى يعيشون فيه!!
البعض يهاجم التدخلات الخارجية ودورها فى تهديد الأمن والسلم المجتمعى لتونس، ويتغافل الأزمة الحقيقية التى تعيشها البلاد منذ تمكن الإسلام السياسى من الدخول فى دهاليز الحكم والسيطرة على إدارة البلاد، متجاهلين أنه حزب له أجندته وأطماعه السياسية والأيديولوجية، ووضعه فى مرتبة القداسة نظراً لرفعه شعار تطبيق عدالة السماء فى الأرض! فهل نستطيع القول إن الإسلام السياسى نجح فى تطبيق تلك العدالة فى الواقع المعاش بإنصاف وحيادية؟ هل تساءل الذين يرفعون شعار الحرية والديمقراطية أنفسهم عما قدمه الإسلام السياسى لنهضة البلاد لانتشالها من حالة الجدل والصراع والفساد الذى ضرب عصب مؤسسات الدولة باسم الديمقراطية اللقيطة، التى تم استيراد عنوانها ولم يطبق مضمونها فى أى من المشاهد السياسية والحالة المتردية اقتصادياً ومعيشياً داخل تونس؟! لماذا نقفز على الواقع ونغوص فى بحر الشعارات القائمة على تزييفه بحجة عدم المساس بمكتسبات الديمقراطية التى اختارها الشعب؟ لماذا نتجاهل الآن صوت الشعب التونسى الغاضب الذى خرج إلى الشوارع رافضاً ما يحدث فى بلده من سطو على مقدراته وحياته، لمجرد أن الإسلام السياسى هو من يتولى إدارة شئونه؟! لو كان الأمر معكوساً هل كانت تلك الأصوات ستخرج من جحورها منددة رافضة هذا الانقلاب على الشرعية؟ أم كانت ستتغنى بما يحدث لأنه يعبر عن انتفاضة ورفض الشعب للقهر والفساد والديكتاتورية القمعية؟!
السؤال الأهم هو: من سمح للأجندات الخارجية بالتسلل إلى أوضاع داخلية مزرية يعيشها التونسيون؟ أليست هى نفسها ذات المعاناة التى أوصلت تيار الإسلام السياسى للحكم؟! لماذا نرفض الاعتراف بأن للديمقراطية وجهاً واحداً يطبق على كل مكونات الحكم أياً كانت توجهاته السياسية؟ سواء إسلامى أو علمانى، الفيصل فى النهاية هو تحقيق ميزان العدل فى المجتمع واستقرار الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بغض النظر عمن يحكم، وفى هذه الحالة نفوت الفرصة على المتآمرين والدخلاء والانتهازيين وأصحاب الأجندات الخارجية، الذين لا يريدون استقراراً لأى بلد عربى مهما كانت مكانته، للأسف الشديد ما زال هناك من لم يدرك أن الربيع العربى كان مجرد خطوة على طريق الاستعمار الجديد للمنطقة العربية بأيدى شعوبها، الطُعم الذى وضعته أجهزة الاستخبارات المختلفة حول العالم، للعب على مقدرات المنطقة العربية وشعوبها والتى ما زالت فى بدايتها، فالصراع على ترسيم الحدود بين الدول مستمر، الصراع الشرس على غاز المتوسط لم ينته، السباق المحموم لتحجيم دور مصر لا يزال قائماً، لأن انهيارها يعنى انهيار المنطقة العربية بأكملها، وسقوطها لقمة سائغة فى أفواه الطامعين لخيرات تلك المنطقة، وللأسف بمساعدة بعض حكامها الذين التقت مصالحهم مع مصالح الأجندات الخارجية والأطماع الاستعمارية فى قالبها الجديد، وبلا شك فإن أزمة سد النهضة أحد مكوناتها.