نتائج منتخب مصر لكرة اليد فى أولمبياد طوكيو، سواء مع البحرين أو السويد أو ألمانيا، ووصولها إلى التصفيات النهائية، تفتح الحوار حول مناقشة الطرح القديم الجديد حول أهمية دعم الألعاب غير الشعبية أو نصف الشعبية.. على فرض أن كرة القدم هى اللعبة الشعبية الأولى وبعدها بعدة مراتب تأتى الألعاب الأخرى.. ورغم الاحترام الكامل لكرة القدم وجمهورها العريض الكبير ونحن منهم، فإن النتائج تقول إن التمثيل الأكثر تشريفاً لمصر فى المحافل الرياضية الدولية يكون لغير كرة القدم!
ربما لا يعرف الكثيرون أن فى مصر 61 اتحاداً رياضياً تدير أمور 61 لعبة رياضية جماعية وفردية.. مصر بلد كبير وتكاد لا توجد لعبة غير موجودة فى بلادنا، ولا توجد لعبة منها بغير اتحاد، حتى الألعاب غير المعروفة.. فالاتحادات ليست لكرة القدم والسلة واليد والطائرة والملاكمة والسباحة والجودو والكاراتيه ورفع الأثقال وألعاب القوى وتنس الطاولة والهوكى والفروسية والجمباز والرماية والاسكواش والمصارعة فحسب.. لا.. إذ توجد اتحادات للرجبى وللحمام الزاجل وللقوس والسهم والتزحلق على الجليد وللقفز الرياضى بالمظلات وللشراع والانزلاق على الماء والاتحاد المصرى للثلاثى (الثراليون) والمينى فوتبول والاتحاد المصرى للرياضيات الذهنية والبلياردو والألعاب الإلكترونية وغيرها وغيرها!
ومن بين أكثر من مائتى مليون، ميزانية التمثيل المصرى فى أولمبياد طوكيو، ربما تستحوذ كرة القدم وحدها على نصف هذا المبلغ.. بينما تاريخ الألعاب الأخرى قدم تمثيلاً مشرفاً لمصر فى مناسبات عديدة.. فالسيد نصير، صاحب الميدالية الأولى فى أولمبياد أمستردام 1928، وبعد دورتين جاء الدور على خضر التونى، وصولاً إلى أثينا عام 2004، حيث حصل كرم جابر لمصر والعرب على ميدالية ذهبية فى المصارعة الرومانية، وكانت أول ميدالية ذهبية أولمبية تحصل عليها مصر منذ عام 1948، كما حصلت مصر على عدة ميداليات فى الملاكمة، وحصلت المصارعة على ميدالية فضية فى أولمبياد روما 1960 ومعها برونزية فى الملاكمة للبطل عبدالمنعم الجندى فى التايكوندو، وفى نفس الأولمبياد وصولاً إلى برونزية العالم فى التايكوندو فى أولمبياد بكين!
ولا ينسى شعبنا ما جرى فى أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984 والفضية الغالية للاعب محمد على رشوان، بطلنا فى الجودو، ولم يكن كرم جابر وحده فى أثينا، بل حصلت مصر على 5 ميداليات لتحقق إنجاز برلين ولندن عامى 1936 و1948، وحققت الملاكمة فيها ثلاث ميداليات؛ فضية لمحمد على فى الملاكمة، وبرونزيتان لأحمد إسماعيل ومحمد السيد، وميدالية برونزية أخرى لتامر بيومى فى التايكوندو!
وفى بكين 2008 حقق لمصر هشام مصباح برونزية فى الجودو، بينما فى لندن 2012 حصلنا على ثلاث ميداليات؛ فضية لعلاء أبوالقاسم فى المبارزة، وكرم جابر مرة أخرى فى المصارعة، والبطلة عبير عبدالرحمن، أول ميدالية للسيدات فى رفع الأثقال، وطارق يحيى برونزية فى رفع الأثقال!
بينما فى الأرجنتين اقتنصت مصر ثلاث برونزيات من قبَل سارة أحمد ومحمد إيهاب فى رفع الأثقال وهداية ملاك فى التايكوندو!
وبينما فريق هوكى الشرقية يحصل على بطولة أفريقيا لأكثر من ٢٥ مرة!! كأنه يلعب منفرداً، تدخل سيدات هوكى الشرقية على خط الإنجازات عام ٢٠١٩ ويحصلن على بطولة أفريقيا للسيدات أيضاً، وطبعاً لا نعرف -كمصريين- اسم أى لاعب من الفريقين، ولا اسم أى مدرب مر على الفريق، ولا نرى أياً منهم فى أى برنامج من عشرات البرامج فى مجمل الفضائيات والإذاعات المصرية!!
ومن بين الأمور المطروحة للحوار هى الجوائز وقيمة المكافآت التى يحصل عليها لاعبو الألعاب غير كرة القدم، وهى هزيلة إلى حد أن نخجل من ذكر أرقامها.. بما لا يتناسب مع التمثيل المشرف!
الخلاصة أن ألعاباً كثيرة يمكن أن تتحول إلى ألعاب شعبية بمزيد من الاهتمام بها من ميزانياتها إلى الإعلام.. دول أخرى ليست كرة القدم لعبتها الأولى.. ودول عديدة شعبية ألعاب أخرى تصل أو تقترب من كرة القدم.. وهنا لا نطالب بإهمال كرة القدم أو تجاهلها.. إنما المقصود هو بحث كيفية توفير تمويل ضرورى لألعاب أخرى يكون معيارنا الأول والأخير.. بل قل الوحيد.. هو رفع اسم مصر فى كل مكان بما يسمح بتعويض الغياب فى ألعاب أخرى.. نحن نطالب بنهضة رياضية تشمل ربوع مصر ومراكز شبابها وأنديتها الصغيرة والملاعب المدرسية، وكلها تضم مواهب لا مثيل لها تنتظر من يكتشفها.. لكن ذلك ضمن مشروع استراتيجى شامل يأخذ وقته على مهل.. لكن إلى حين تحقيق ذلك يبقى اسم بلادنا هدفنا الأوحد بما يستلزم وضع خطط عاجلة لذلك.. وها هو التاريخ يؤكد أن الألعاب الأخرى غير أو نصف الجماهيرية هى التى تحقق هذا التمثيل المشرف!
وعلى هذا الأساس وبهذا المعيار نكون خططنا لأول بطولة قادمة والتى تليها ثم لأول أولمبياد قادمة.. وهكذا..
والى حين تؤتى الخطط القومية طويلة الأجل ثمارها يبقى اسم مصر أمانة فى أعناقنا جميعاً.. لا عواطف ولا خضوع لأى أصوات عالية.. فى ذلك!