القصة طويلة ومخيفة.. رصدتها الدراما المصرية على أروع ما يكون طوال ثمانين عاماً تقريباً.. فلا يخلو عصر من عصور مصر الحديثة من المخدرات.. تهريباً وإدماناً.. تجارة وتعاطياً.. حتى إن بعض أفلام الثلاثينات والأربعينات ناقشت الموضوع، وأبرزت أفلام أخرى، حتى ولو بشكل ساخر، جهود الدولة فى التصدى لها كـ«ابن حميدو» مثلاً وبشكل جاد جداً كـ«رصيف نمرة خمسة» و«الرجل الثانى» وهكذا.. إلا أن الأمانة تقتضى مع الموضوعية أن نقول إن سينما السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات وما بعدها أشارت إلى وجود متنفذين قريبين من السلطة يستغلون مناصبهم ومواقعهم وأحياناً حصاناتهم فى تدمير شعبنا بهذه السموم، حتى إن إحدى أشهر القضايا فى تاريخ البلاد عُرفت بقضية «نواب الكيف» كما وصفتهم الصحافة ووصفهم الإعلام وقتها!
هذا الذى جرى.. تسبب فى إضافة أعباء أخرى على التركة الثقيلة التى ورثناها، وورثتها مصر وتحملها الرئيس السيسى منذ تولى المسئولية فى 2014.. فبخلاف ترهّل الجهاز الإدارى وصور البيروقراطية العقيمة والروتين والفساد والإهمال وتردى الخدمات وخواء الخزانة العامة وسوء حال الطرق والخدمات الصحية والتعليمية وخلافها كان إدمان المخدرات والتعاطى أزمة قائمة بذاتها تحتاج حلولاً عاجلة وناجزة وناجحة، حتى إن الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعى يؤكد أن هناك تعليمات «رئاسية» بالتصدى للظاهرة ومواجهتها بكافة الوسائل!! أى أن المواجهة تتم بمتابعة من أعلى مستوى فى البلاد نظراً لخطورتها وتعارضها مع الدولة الجديدة التى نبنيها وتحتاج إلى شباب واعٍ مشارك فى خدمة وبناء وطنه وليس مغيباً ولا منعزلاً عن الواقع!
ولذلك استهدف الصندوق كل فئات المجتمع التى يمكن فحصها من سن 15 إلى 65 عاماً، وفى مقدمتهم السائقون الذين قُسموا إلى سائقين بالجهاز الإدارى للدولة المصرية والسائقين المهنيين وسائقى سيارات المدارس ممن وُجهت ضدهم شكاوى كثيرة تجاوزت الـ312 شكوى ثبت أن أغلبها كان صحيحاً! أما السائقون المهنيون فللأسف كانت نسبة الإدمان مع التعاطى عام 2014 الـ64%!! وهى نسبة كارثية انخفضت إلى 8%، وهى كبيرة أيضاً لكن تستمر جهود الصندوق مع هذه الفئة، بينما أحيل أغلب شكاوى أولياء الأمور ضد سائقى المدارس إلى التحقيق الحازم الحاسم وتم التعامل معها على الفور،
وأيضاً يستهدف الصندوق العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة للبعد عن الإدمان، وفى حالة وجود مريض يتم توفير كافة الخدمات العلاجية له لإنقاذه من أزمة التعاطى أو الإدمان ومد يد العون له.. وكانت النسبة عند بداية المسح تتجاوز الـ8% انخفضت بعد جهود الجهاز إلى 2%!! ولأن جهازنا الإدارى المصرى الحكومى كبير، لذا فإن النسبة المذكورة كبيرة لكن أيضاً تستمر جهود الصندوق فى متابعتها، وطبعاً دفعت الأحداث الأخيرة وحوادث الأشهر الماضية فى قطاع السكك الحديدية إلى تكثيف الصندوق لجهوده مع موظفى وعمال وسائقى هيئة السكك الحديدية ممن يتعاملون مع خدمات الهيئة والمواطنين بشكل مباشر لذا يتعامل الصندوق الآن مع أربعين ألفاً من كوادر سكك حديد مصر!
ولم يتوقف جهد الصندوق عند هذا الحد، بل يدرك أن الإدمان والتعاطى نتيجة لمشاكل وأزمات نفسية واجتماعية ومادية وأن بقاء الأسباب كما هى سيؤدى إلى انتكاسة للمتعافين لذلك يستمر الصندوق مع العديد من الحالات التى تحتاج ذلك، ويقدم لهم وللمجتمع مشروعاً مهماً هو «بداية جديدة» بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعى لتوفير قروض لهؤلاء المتعافين للانطلاق فى مشروعات صغيرة تعيدهم إلى حياتهم الطبيعية بالعودة للعمل والإنتاج وتوفر لهم مصدر رزق حلالاً وإيجابياً يُعينهم على أعباء الحياة ويساعدهم على الإنفاق على أسرهم فيما سُمى بـ«خدمات ما بعد العلاج والدمج المجتمعى للمتعافين»!
هذه القروض بلغت ٤ ملايين جنيه بفوائد ميسرة وفرص سداد طويل الأجل يراعى الهدف من القروض ويقدر ظروف المقترضين!
الصندوق استعان بنجوم لها تأثيرها وسط الشباب كنجم الكرة العالمى محمد صلاح، كما أن أرقام اللاجئين له تخطت حاجز الـ٧٥٠ ألفاً، نصفهم تقريباً يستمر للآن للتعامل معه والاستفادة من خدماته وإرشاداته.. وتبقى أسرار وبيانات ومعلومات اللاجئين للصندوق سرية تماماً بما يشجع على مزيد من الثقة فى التعامل معه!
الذهاب للقرى التابعة لمبادرة «حياة كريمة» توجّه جديد بعد مبادرات التوعية بالمدارس.. وعندما نعلم أن عدد المتطوعين يصل إلى ٣٠ ألف متطوع، ندرك حجم أعمال الصندوق ونشاطه!
وليس بالضرورة أن نلمح حركة رجال هذه المؤسسة المهمة.. إذ ربما تخصصه الشديد أدى إلى ذلك، ولذلك لا يشعر غير المستهدفين به.. لكن هذا لا يعنى عدم وجود دوره.. بل إن عدم الضجيج أحد أهم أسباب نجاح الصندوق.. لكن فى الوقت نفسه، فإن عدم الضجيج لا يعنى غياب عمل وحركة الصندوق!
بل العكس تماماً.. واسألوا الأرقام!