مصرفيون: «التحول الرقمي» فى التعاملات لا يغني البنوك عن «الفروع التقليدية»
الاعتماد على الأدوات التكنولوجية المالية فى البنوك لزيادة سرعة التحول الرقمى
أكد مصرفيون ومحللون ماليون أن انتشار «كورونا» كان له دور كبير فى دعم الخدمات الإلكترونية وتعزيز التحول الرقمى والشمول المالى داخل السوق، ما دفع إلى تحسين مؤشر الكثافة المصرفية، وعلى الرغم من توسع البنوك فى تعزيز شبكات فروعهم التقليدية، فإن مصرفيين يرون أنها عاجزة عن تغطية كل العملاء، وأن إطلاق خدمات رقمية وفروع إلكترونية لا يغنى عن توسعها فيها خلال 5 سنوات مقبلة.. ويرى الخبراء، أنَّ الوباء ساهم بشكل كبير فى زيادة الوعى لدى المتعاملين مع القطاع المصرفى بأهمية التعامل مع أدوات التكنولوجيا المالية، وبالتالى زيادة سرعة التحول الرقمى بطرح المنتجات الرقمية.
«سامي»: الفروع لا تزال نافذة تسويق خدمات ومنتجات البنوك
وقال شريف سامى، رئيس الجمعية المصرية للتكنولوجيا المالية، ورئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى، إنَّ «الجائحة، والإجراءات الاحترازية التى اتُخذت لمواجهتها كان لها أثر كبير على المؤسسات المالية خاصة البنوك، فيما يتعلق بالكثافة المصرفية، حيث ساعدت الأزمة فى حث المصارف على الإسراع من وتيرة إتاحة الخدمات، بجانب تشجيع المواطنين المترددين وأصحاب الأعمال على الاعتماد عليها أكثر».
وأضاف «سامى»، فى تصريحات لـ«الوطن»، أنَّ «حجم التعاملات وعدد المتعاملين بالقنوات الرقمية المصرفية، سواء بطاقات الدفع أو أجهزة الصرف الآلى أو محافظ الهاتف المحمول، شهدت طفرة مؤخراً»، موضحاً أن عدم دراية أو تخوف شريحة من العملاء من استخدام القنوات الرقمية المصرفية يعد السبب الرئيسى فى إحجامهم عن تلك المعاملات الحديثة نسبياً، ملمحاً إلى دور «المركزى» فى تشجيع المعاملات المصرفية الرقمية، واستقطاب شريحة جديدة من المواطنين، عبر مبادرة نشر مئات الآلاف من نقاط البيع، وأيضاً إعفاء المعاملات والتحويلات من الأتعاب والعمولات، منذ انتشار الوباء العالمى، حتى الوقت الحالى.
وأوضح أن تأثير البنوك الرقمية وتضاؤل استخدام الكاش فى سداد المعاملات، ليحل محله السداد بالبطاقات أو الهواتف النقالة فى الدول الصناعية المتقدمة الرائدة فى التكنولوجيا المالية، دفع البنوك إلى تقليص عدد فروعها، مثلما حدث فى القطاع المصرفى البريطانى.
ويرى رئيس الجمعية أنه من الصعب تطبيق الأمر فى مصر، نظراً لعدم اكتمال منظومة الشمول المالى بعد، بجانب الحاجة إلى استقطاب ملايين من المصريين، متوقعاً استمرار البنوك فى التوسع فى شبكة فروعها، لكن بانتقائية أكبر للموقع الجغرافى، وعلى أن تكون فروعاً أصغر نسبياً اعتماداً على وجود التطبيقات الرقمية وأجهزة الصرف الآلى والعديد من القنوات الإلكترونية الأخرى.
وأشار «سامى» إلى أن الفرع سيظل له دور مهم كنافذة تسويقية لخدمات ومنتجات البنك ولن تختفى أهميته، إضافة إلى حاجة بعض العملاء من ذوى الأعمال المتقدمة إلى التعامل من خلال الفرع أكثر، وهو ما سيختفى مع تقدم الأجيال الرقمية فى العمر.
وقال وليد ناجى، نائب رئيس البنك العقارى المصرى العربى، إنَّ مصر من الدول التى تتصف بكثافة مصرفية عالية، لتتراوح بين 20 إلى 25 ألف متعامل للفرع، فيما يخدم الفرع الواحد أقل من 5 آلاف متعامل فى المتوسط بالنسبة إلى الدول الأجنبية، لذلك لا بد من تحسين الوضع القائم، مضيفاً أنَّ التوسع فى الشمول المالى محلياً أدى إلى تسريع وتيرة التحول الرقمى وزيادة عدد المتعاملين مع البنوك والضغط على الفروع أوقات الذروة، خاصة مع تطبيق إجراءات كورونا، مثل وضع حد أقصى لقبول الكاش فى الهيئات الحكومية وانضمام مؤسسات تجارية خاصة وحكومية إلى منظومة الدفع الإلكترونى.
ويرى «ناجى» أنَّه على البنوك زيادة انتشارها الجغرافى، فالفروع الحالية لا تتناسب مع الزيادة السكانية المطردة، خاصة فى الأقاليم التى تتسم بانخفاض تكاليف الإنشاءات، مؤكداً ضرورة وضع خطة عمل تستهدف توسيع الفروع القائمة ورفع كفاءتها وتحديثها وتزويدها بماكينات صراف آلى كافية ونقاط للبيع، للتسريع من إنجاز الخدمات المقدمة للعملاء، بجانب زيادة قدرتها الاستيعابية للموظفين والعملاء على حد سواء.
وأكد أن انتشار الخدمات الرقمية للبنوك؛ وفى مقدمتها تطبيقات الموبايل والإنترنت البنكى والمحافظ الإلكترونية وماكينات الصراف الآلى ونقاط البيع الرقمية، أمر ضرورى لمعالجة مشكلة الكثافة المصرفية ولكنه غير كافٍ، لافتاً إلى أن توعية المتعاملين مع البنوك وتدريبهم على التعامل مع القنوات المصرفية الرقمية لا يقل أهمية عن نشرها، بل وحث المواطنين على الإقبال على تلك الخدمات والتطبيقات الحديثة.
وكان البنك المركزى قد أطلق مبادرة لزيادة أعداد ماكينات الصراف الآلى، عقب أزمة كورونا، بعدد 6٫5 ألف ماكينة كمرحلة أولى، للوصول إلى 20 ألف ماكينة صراف آلى منتشرة بمختلف أنحاء الجمهورية، مع ضرورة مراعاة المستوى التشغيلى لمنظومة الصراف الآلى وإجراء صيانة دورية لها ومراعاة التوزيع الجغرافى، وذلك فى إطار استراتيجية «المركزى» لنشر الخدمات المصرفية وتحقيق الشمول المالى.
«فهمي»: يجب تقليل إجراءات فتح الحسابات وتكثيف الوجود الجغرافي للفروع للتخفيف من حدة الكثافة
وقال ماجد فهمى، الخبير المصرفى ورئيس بنك التنمية الصناعية سابقاً، إن الكثافة المصرفية تضغط بصورة أكبر على فروع البنوك الحكومية، مثل بنكى «الأهلى» و«مصر» بسبب مميزات المصرفين من انتشار جغرافى واسع يتناسب مع وضعيهما، بجانب أسعار الفائدة الجاذبة على بعض منتجات التجزئة المصرفية، مشيراً إلى استحواذ «الأهلى» على أكثر من 30% من حجم المعاملات المصرفية المحلية.
وأضاف «فهمى» أن هناك حاجة ملحة إلى مزيد من الانتشار الجغرافى للبنوك المحلية، عبر زيادة عدد الفروع والوصول بها إلى المناطق النائية، مثل واحة سيوة والوادى الجديد، لإحداث توازن فى التوزيع الجغرافى لها، مع ضرورة زيادة عدد الفروع المميكنة وتطوير القائمة، مؤكداً أنه لا يزال هناك مشكلة فى عدد ماكينات الصراف الآلى، خاصة الماكينات التابعة لأكبر مصرفين حكوميين، ناصحاً بضرورة التوسع فى الخدمات الرقمية والدفع بصورة أكبر نحو عملية التحول الرقمى، وجذب مزيد من العملاء لاستخدام تطبيقات حديثة مثل «الموبايل البنكى»، وتدعيمه وتطويره لتنفيذ عمليات التحويل اللازمة لسداد الالتزامات الدورية، لافتاً إلى أنَّه رغم التطور الحالى فى القطاع المصرفى تكنولوجياً، إلا أنه ليس بدرجة كافية تتناسب مع التغيرات السريعة ومواكبة العصر.
«فهمي»: يجب تقليل إجراءات فتح الحسابات وتكثيف الوجود الجغرافي للفروع للتخفيف من حدة الكثافة
وأكد ضرورة تيسير وتبسيط إجراءات فتح الحساب التى لا تزال أمراً شاقاً بالنسبة للكثيرين، خاصة البسطاء وكبار السن، الذين يلجأون إلى بدائل أخرى كالتعامل مع هيئة البريد القومى لإيداع مدخراتهم نظراً للانتشار الجغرافى والإجراءات الأقل تعقيداً، لافتاً إلى ضعف الوجود الفعلى لبعض البنوك المحلية، رغم الأهمية النسبية لحجمها السوقى، فلا يتجاوز عدد فروعها 50 إلى 60 فرعاً مع ضعف التغطية لكل أنحاء الجمهورية.
وتخطى عدد مكاتب تمثيل هيئة البريد المصرى 4.500 مكتب موزعة على أنحاء الجمهورية، وتصل إلى كل المناطق النائية، بجانب تجاوز حجم الإيداعات الادخارية 400 مليار جنيه.