من أفضل ما جرى فى مصر خلال السنوات القليلة الماضية عودة الشعور بأكتوبر ونصره العظيم مع عدم إقصاء أبطال على حساب أبطال آخرين. الكيد السياسى والتلاعب بالتاريخ ومحاولة إعادة سطره بشطب أحداث وأسماء حتى تبقى أسماء بعينها وحدها تحت المجهر، عمل غير أخلاقى، ناهيك عن كونه غبياً.
فالأيام دول، ومن يشطب آخرين اليوم دون وجه حق، يُشطَب غداً بكل تأكيد.
نصر أكتوبر العظيم كما يعرفه جيلى ذكريات فى كنف الأسرة من إجراءات تأمينية لدواخل البيوت وخارجها، وللحى والأحياء المجاورة، وصوت مذياع ينقل الأخبار وقناة تليفزيونية لا أتذكر تحديداً المعروض عليها، باستثناء كونه مادة جادة تشى بأحداث جلل، وطمأنة الأم وقلق الأب، وتأجيل مدرسة، ثم خبر العبور والنصر العظيمين.
وبعدها بسنوات قليلة، كانت متابعة أحداث إبرام معاهدة السلام مع العدو التاريخى، وبعدها بقليل اغتيال على الهواء مباشرة لـ«بطل الحرب والسلام».
ثم بدأت عقود تغييب وتجريف وتحوير شهدت -ضمن ما شهدت- تحويل حرب أكتوبر العظيمة إلى «ضربة جوية»، نحتفى بها فقط، ونغنى لها فقط، ونقيم «أوبريت أكتوبر»، لنرقص لها فقط دون غيرها من جوانب الحرب الكثيرة والعظيمة.
الأدهى من ذلك، أن «قتلة» الرئيس الراحل السادات لم يلقوا القدر الكافى من تسليط الضوء.
وبعيداً عن المحاكمات وأحكام السجن وحتى الإعدام، فقد بقى فكر القاتل كامناً لكن «مترعرع» طوال ثلاثة عقود.
ربما ما ترعرع لم يكن فكر «الجماعة الإسلامية» تحديداً، لكن ما تُرِك ينمو وسُكِت على ترعرعه كان فكر «المنبع»، وإلا ما سر سطوة الجماعة الإرهابية جماعة الإخوان المسلمين فى مصر طوال العقود الفائتة؟! وما سر وصول أعضائها عبر الانتخاب (وبعد التزوير) إلى مقاعد البرلمان بعدد تاريخى هو 88 نائباً فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005؟ شاى وسكر وزيت؟ ربما! لكن مع الشاى والسكر والزيت، جاء استلاب عقول المصريين واتساع رقعة «الدين الجديد».
صحيح أن رقعة «الدين الجديد» اتسعت بفعل عوامل أخرى أيضاً بعضها وارد عبر الحدود والبعض الآخر بسبب جهل وفقدان هوية وثقة بالنفس والتاريخ والحضارة، لكن يظل العامل الأكبر هو جماعة الإخوان منبع فكر الإرهاب الدينى.
الإرهاب الدينى هو الوجه الآخر لما نشهده خلال السنوات القليلة الماضية من عودة حق أكتوبر لأصحابه ومحاولة إعادة تصحيح كتاب التاريخ الذى لحقه الكثير من التشوهات.
وهل هناك تشوه وتلوث وتدنيس أكثر من هذا «الاحتفال» بنصر أكتوبر العظيم عبر استضافة وتكريم وتعظيم من قتل قائد مصر الذى حقّق النصر على رأس قوات مصر المسلحة العظيمة؟! حين خطب محمد مرسى ساعتين فى مناسبة انتصار أكتوبر العظيم أمام الآلاف من أعضاء جماعته وحشود المتأسلمين من المدانين بالحجة والبرهان والفكر والطلقات والخيانة والدناءة، كان على المصريين من غير المعتنقين (ولو سراً) عقيدة «طُز فى مصر» التى زرعتها التيارات المتأسلمة الظاهر منها والباطن، أن يعرفوا ويـتأكدوا أن عقود التجريف وتفريغ مصر من مضمونها الاجتماعى والثقافى والفنى والحضارى والسياسى وصلت أوجها، وبدأ زارعو السم فى جنى ثماره.
اليوم وبعدما أعاد الرئيس السيسى حق أكتوبر لأصحابه، نبدأ رحلة التطهير، وهى رحلة شاقة وطويلة.
والتطهير لن يصل إلى الجذور بقرارات الإقصاء والرفت والمطاردة، بل بتطهير المنبع فكرياً وثقافياً والفصل التام بين سطوة التيار الدينى الذى تغلغل فى كل كبيرة وصغيرة وبين تفاصيل الحياة المدنية من تعليم وصحة واقتصاد وفن وعمل.
مبروك لشعب مصر عودة روح أكتوبر المخطوفة.