إذا كانت الجامعة هى طلاب وهيئة تدريس وإدارة ومعامل ومكتبات وملاعب، فإنها أيضاً حدائق ومسارح وغرف للموسيقى وأخرى للهوايات المختلفة، وما زلت أذكر أواخر الستينات ومطالع السبعينات، عندما كان فى جامعة عين شمس -التى كنت طالباً فيها ورئيساً لاتحاد الطلبة، وممثلا للدراسات العليا حتى منتصف السبعينات- فريق للتمثيل وآخر للفن الشعبى وثالث للموسيقى، وكيف كان فريق الموسيقى له مايسترو من الطلاب يرتدى البدلة السوداء ذات الجاكيت الطويل من الخلف، وكان من الطلاب والطالبات مغنون وعازفون على كل الآلات، وممثلون ومخرجون.. وما زالت بعض أسماء من تلك المرحلة لامعة فى الأفق المسرحى والسينمائى فى مصر!
وتعالوا نحسبها من ناحية التكلفة المباشرة وغير المباشرة، هل الأجدى أن يوجد بكل جامعة، إن لم يكن كل كلية، مكان لممارسة تلك الهوايات وتخصص لإنشائه نسبة معينة من المصروفات التى يدفعها الطالب، تسمى رسم نشاط نوعى، أم الأجدى ألا يجد الطلاب مكاناً يخضع للإشراف والتوجيه الإبداعى، فيتجهون إلى مسارب فرعية للتطرف باتجاه الانحراف الأخلاقى أو الانحراف الفكرى والعقيدى؟!
هذه دعوة صريحة لكل صاحب مسئولية عن الجامعة، وفى الجامعة لكى يرى المعادلة رؤية شاملة يتحقق فيها إشباع كل متطلبات الشباب!
ثم إننى كنت قد دعوت إلى صيغة أندية الفكر التى تم تفعيلها فى فترات سالفة.. فهذا نادٍ للفكر الاشتراكى.. وذاك نادٍ للفكر القومى، وثالث للفكر الإسلامى.. وهلم جرا.. ويقتصر عملها على مناقشة القضايا العامة مناقشة حرة تلتزم بآداب الحوار وقواعد السلوك المحترم، والتعامل مع الآخر بموضوعية، وتستعين بالأساتذة والمتخصصين، ويتم فيها إنضاج المهارات الفكرية لأعضائها، ويتم تبادل الخبرات بينها، وإقامة أنشطة مشتركة يلتقى فيها ذوو المشارب الفكرية المختلفة على حقيقة واحدة، هى العمل على رفعة شأن الوطن وحماية إرادته واستقلاله.
ثم إننى أود أن أدعو كل جامعة لأن تحصر احتياجاتها من معامل ومكتبات ومسارح ومقرات للأنشطة وملاعب وغيرها، وتعلن على الملأ ما ينقصها فى كل مجال، وينفتح الباب أمام الناس للتبرع لهذه الجامعات، وتدخل الرأسمالية المصرية الساحة من أعظم وأجلّ أبوابها، وهو باب العلم وخدمة البحث العلمى.. فيكون هذا المعمل فى كلية الهندسة أو الطب أو العلوم أو الصيدلة أو الزراعة، وتلك المكتبة فى الآداب أو فى الحقوق أو فى الألسن وغيرها هدية من فلان رجل الأعمال وأسرته أو من الشركة الفلانية أو من المجموعة العلانية، ويُكتب ذلك على باب المكان، ويسجل فى الكتيبات التذكارية للجامعات، ويتم تكريم المتبرعين ودعوتهم فى كل مناسبات الجامعة، ليجلسوا فى الصف الأول.. وإضافة لذلك يمكن للرأسماليين المصريين، إذا أرادوا أن يرفعوا عن أنفسهم وصمة الجهل وفقر الفكر واحتراف الفهلوة والهبر، أن يسعوا للجامعات وأن يخصصوا جوائز للمتفوقين من كل دفعة من كل قسم، وتقام الاحتفالات التى يتقدم فيها حضرته بتسليم الجائزة لأصحاب المراكز الأولى والثانية مثلاً!
غير أن هذا كله يمثل جانباً مهماً، ولكن هناك ما هو الأكثر أهمية، وأقصد به الأساتذة وهيئة التدريس عموماً وعلاقتها بالطلاب!
إذ ليس معقولاً ولا مقبولاً أن يكون أستاذ الجامعة مصاباً بالأمية السياسية والثقافية والدينية، ناهيك عن إصابة بعضهم بالأمية الإملائية والنحوية، وهى جزء مهم من الأمية الهجائية، ولدرجة أن المرء قد يصادفه الحظ ويحضر مناقشة رسالة دكتوراه فى كلية الآداب، وتدخل اللجنة الموقرة بأروابها السوداء، وما إن ينطق بعض أعضائها، إن لم يكن كلهم، إلا وتسيل دماء اللغة العربية على مذبح الأخطاء، وتكتشف أن كثيرين لا يجيدون نطق جملة عربية واحدة صحيحة.
وأخيراً، وليس آخراً، إن خللاً جسيماً وفادحاً أصاب علاقة الطلاب بالأساتذة، وحتى فى الدراسات العليا، حيث الطلاب محدودو العدد، وفى هذا المجال حدث ولا حرج، وأرصد طلاباً يُمضون سنواتهم الدراسية دون أن يعرفوا اسم العميد ولا أسماء الأساتذة!