للقصة جذور.. فعلى مدار ثمانى سنوات، أشرفنا مبكراً فى بدايات العمل الصحفى -بفضل الله- على قسم البريد فى صحيفتين شهيرتين كبيرتين، وذلك قبل الانتقال إلى مهام أخرى فيما بعد.. بدأنا بزاوية صغيرة وكبرت وتحولت إلى نصف صفحة ثم إلى صفحة كاملة ثم إلى صفحتين كل أسبوع ثم إلى ثلاث صفحات ثم إلى صفحة يومية تتوقف فقط يوم الجمعة لسبب موضوعى وهو الإجازة الحكومية من كافة دواوين الحكومة!!
نروى ما سبق لنؤكد احتياج شعبنا للشكوى واللجوء إلى مَن يسمعه ويرفق بحاله، خصوصاً عندما تتنوع أسباب الشكاوى.. غالبيتها العظمى مع الجهاز الإدارى البيروقراطى للدولة المصرية.. عشرات أو مئات الألوف من المظالم التى لا تنتهى.. من مشاكل بين المواطنين ووحدات الإدارة ومشاكل بين العديد من الموظفين فى الجهاز وبين قياداته وقوانينه ولوائحه، وهذا النوع الأخير أكثر من يجد طريقه إلى القضاء الإدارى وقضاء مجلس الدولة وإلى النشر فى الصحافة.. المصريون يتعلقون من أجل حقوقهم فى أى «قشاية»، كما يقولون، كالغريق الذى يتعلق أو يمسك بأى شىء يجد فيه نجاته!
ويوماً بعد يوم، ارتفع عدد المحررين فى القسم وقُسّموا إلى تخصصات. كان الهم والألم كله فى الشكاوى الصحية ومآسى السعى للحصول على العلاج وإنقاذ حياة الناس ووقف آلامهم ولا يعادلها فى مقدار الوجع إلا شكاوى فَقْد فرد من أفراد الأسرة خرج وتغيب ولم يعد، أو بيوت تهدّمت وتشرد أصحابها وأصبحوا بلا مأوى إلا من ستر الله وأخيراً شكاوى التشريد وقطع أكل العيش، سواء بالفصل التعسفى أو بخسائر تعرضت لها مؤسساتهم انتهت بإغلاقها وتسريح عمالها وموظفيها!
بدأنا العمل بسلوك الصحفيين ثم بعد فترة قليلة وصلنا إلى مرحلة التأثر البالغ بما نسمع والتفاعل معه على حساب وقتنا وأعمالنا، وبعد بعض الوقت ومن كثرة ما رأينا، أصبحت رؤية الآلام والأوجاع أمراً عادياً لا يمنع من التفاعل معها والتأثر لكن بدرجات أقل!
ونروى ما سبق أيضاً لنذكّر الكثيرين بأن شعبنا الطيب يئن من العديد من المشكلات والأزمات لا يصح معها إغفال شكاواه وإهمالها، وعلينا أن نتخيل حال المظلومين وهم بالملايين يصرخون ولا يجدون مَن يهتم بهم ولا يسمعهم ولا يتجاوب معهم ولا يتدخل لإنقاذهم ويتركهم فريسة لقوانين ظالمة ولوائح عمياء وقلوب بشرية متحجرة ومجتمع قاسٍ جداً! كان منطقياً أن تنفجر الأوضاع وينفجر المصريون بالغضب!
اليوم.. ومع تراجع الصحف الورقية.. ومع عهد مختلف منذ ٢٠١٤.. يجد شعبنا مَن يستمع إليه ويستجيب لصرخاته ونداءاته ويقدرها ويحترمها ويقف إلى جانبه إلى حين عودة الحق لأصحابه أو حتى توفير الخدمة الصحية المطلوبة أو فحص الشكاوى الإدارية وتبيان الظالم والمظلوم.. اليوم ومنذ أربع سنوات مضت وجد المصريون «القلب الحنون» الذى يلجأون إليه ويفضفضون معه وينتظرون إنصافهم على أيدى أبنائه والعاملين به!
والعاملون بها -بمنظومة الشكاوى الحكومية- اختيروا بعناية لا مثيل لها.. من الوعى والأخلاق والثقافة ويبدو فوق ذلك أنهم حصلوا على محاضرات أو حتى تنبيهات تتعلق بالدور الذى يقومون به.. وبأن المواطن المصرى يحتاج إلى مَن يساعده ويقف إلى جانبه وهو فى الشكاوى الإدارية تحديداً على حق حتى ثبوت العكس وفى الاستغاثات الطبية تكون كل ثانية لها ثمن إن لم تكن فى إنقاذ الحياة، ففى وقف الألم والقلق والهلع وفى شكاوى التشريد والغياب يحتاج الملهوف إلى مَن يمنحه الطمأنينة والأمان حتى إشعار آخر!
أحسن مجلس الوزراء باختيار الدكتور طارق الرفاعى مسئولاً عن المنظومة، وكرر الدكتور الرفاعى الأمر عند اختيار مساعديه ومَن يقومون معه بالمهمة فكانوا جميعاً على أفضل وأروع ما يكون.
يراعون ضميرهم قبل شروط وظيفتهم ويخافون ربهم قبل رضا رؤسائهم، فكان ما كان من انضباط ورضا جماهيرى كبير انعكس على عدد اللاجئين إلى المنظومة يبحثون عن خلاصهم، إذ بلغ العدد فى أربع سنوات وحتى يوليو الماضى ٣٫٢ مليون شكوى بمعدل ٨٠٠ ألف شكوى سنوياً أى ٧٠ ألف شكوى شهرياً، أى ما يقرب من ٢٣٠٠ شكوى فى اليوم تحتاج إلى مَن يتلقاها ويصيغها ويعيد توجيهها ثم متابعتها مع المسئولين ومع صاحبها!!
الدكتور الرفاعى وأبطاله ذكّرونا بعدد من المسئولين ممن كانوا يخافون الله فى صرخات الناس، أبرزهم على الإطلاق الدكتور مفيد شهاب والمستشار محمود أبوالليل، وزير العدل، حيث كانا يتابعان بنفسيهما وتصل الردود موقَّعة منهما حينما كان الدكتور شهاب وزيراً للتعليم العالى كذلك المستشار أبوالليل عندما عمل فى كل المناصب بداية من عمله محافظاً لكفر الشيخ والجيزة، ثم وزيراً للعدل وقد تلقينا منهما العديد من الاتصالات!
كانت وزارة الداخلية الأكثر فى عدد الردود وتفاصيلها من عند اللواء حسن الألفى ومن بعده ثم الصحة الدكتور سلّام ومَن بعده، وكذلك الشئون الاجتماعية الدكتورة ميرفت التلاوى ومَن بعدها، والبيئة نادية مكرم عبيد ومَن بعدها والأوقاف والمحافظات، خصوصاً الدقهلية وهيئات عامة كالنقل العام ومياه الشرب وغيرها بما يستحق بتفاصيله مقالاً منفصلاً، وقد تراجع ذلك بعد وزارة الدكتور الجنزورى وصولاً إلى تراجع شعبية النظام وقتها!!.. لكن سنتذكر وسيتذكر غيرنا أسماء طارق الرفاعى والذين معه مهما مرت سنوات وسنوات وهذا الرضا هو التكريم الأول، ثم تتبقى تكريمات وجوائز من المجتمع المدنى ومؤسسات تراقب وترصد.. وتستحق منظومة الشكاوى الحكومية بمن فيها كل التقدير!