لست من متابعى كرة القدم، ولا أدعى أننى مطلعة فى مجالها بشكل احترافى، لكنى أفهم القليل عنها بحكم العادة والمعرفة المحدودة، وللحقيقة استفزنى الجدل الدائر حول المقابلة التى أجراها النجم الكروى «محمد صلاح» مع عمرو أديب فيما يتعلق بحياته الخاصة، وما أثير حول رده على شرب الخمر، أصبحنا أسرى لأحكام السوشيال ميديا التى تخضع للأهواء والمعتقدات والأفكار المرسلة، فلم يستحق رد «مو صلاح» على السؤال كل هذا الجدل، والدخول فى سريرته لمعرفة المقصد من كلامه، إذا كان يتزلف للغرب، أم أنه رد بدبلوماسية لا تغضب الآخرين، ليس من حق أحد التفتيش فى النوايا، فالمطلع الوحيد عليها هو رب الكون، وليس من حق أحد محاسبة اللاعب على أنه لم يكن حاسماً فى رده على سؤال يقينى بالنسبة لنا، فهو يعلم تماماً حرمة شرب الخمور، وليس معنى كراهيته لها أنه يرفضها لهذا السبب فقط، وأنه ينافق المجتمع الغربى الذى يعيش فيه حتى لا ينقلب عليه، دبلوماسية الرد لا تعنى أنك تتحايل على الفروض الصريحة التى أمرَنا بها الله، لكن هناك ما يسمى بفن «الحديث الراقى»، لتوصيل ما تريد التصريح به بشكل غير مباشر، ويعتبر فن الحديث الراقى من أهم الفنون، ويتم تدريسه فى أكبر معاهد الإتيكيت فى العالم، فأسلوب الحديث وطريقة الرّد تعكس بدرجة كبيرة الخلفية الثقافية للشخص، كما أنّها من أهم الوسائل التى يتم على أساسها تقييم الشخص، سواء فى مقابلات الوظائف أو غيرها من الأمور.
لذلك يجب على الجميع معرفة قواعد «الحديث الراقى» لما له من دور فعّال فى توطيد العلاقات بين الناس سواء فى الحياة العادية، أو الحياة المهنية.
ليس فى هذا الموقف فحسب، وإنما فى حياتنا اليومية، فكم من المواقف التى نتعرض لها، تستوجب اتخاذ موقف حاسم، وفيها تقطع الرقاب (كما يقال) لو نفذت بحذافيرها، من منطلق ألا نكون منافقين، أو متلاعبين، ولكن يمكن أن نصل إلى نفس الهدف دون التجريح بأحد، أو التصادم معه، ونخرج من الموقف بأقل الخسائر الممكنة، وهو ما يسمى «الذكاء الاجتماعى»، وهذا لا يعيب «صلاح» فى شىء، ولا يوسمه بالنفاق كما وصفه البعض، أو يجعله يتملص من دينه، لأن مصلحته مع ثقافة تبيح المحظورات لدينا.
تركنا الأصل فى الموضوع، وبدأنا فى الهجوم على الرجل وكأنه ارتكب معصية لا تغتفر، واتهمناه بالنفاق والتملق للمجتمع الذى ينتفع منه! وأغمضنا أعيننا عن أفعال وسلوك وأخلاق «مو صلاح» التى تتحدث عنه دون تحليل أو تفتيش فى نواياه.
لا يختلف اثنان على أن شرب الخمر حرام فى ديننا الإسلامى، فهل كنا نحتاج إلى تأكيد من محمد صلاح لهذا الحكم الشرعى الصريح الذى يعرفه «صلاح» جيداً وليس غائباً عنه؟.
التناقض والازدواجية لا يعيشها النجم «صلاح»، بل يعيشها المجتمع الذى يفعل الشىء ونقيضه، ويدعى التدين والدفاع عن دينه بكل ما أوتى من قوة، حالة الاستعراض والتشفى التى خرج بها البعض ضد حديث «صلاح» إنما تكشف التناقض الذى يعيش فيه المجتمع، وأبسطها ظاهرة التحرش المستعرة، وزنا المحارم، وإسقاط حق الأنثى فى الميراث كما قرره الشرع، أليست هذه من المحرمات شرعاً؟! ومن الفواحش والمعاصى التى ترتكب فى حق المجتمع، حتى القوانين الرادعة لم تقض على تلك الظواهر التى باتت تهدد سلامة المجتمع وأمانه.
فهناك الكثير من الأمور التى تستحق النقد، والمنافية للأخلاق والذوق العام تكرم ويحتفى بها! فى حين تتم محاربة التجارب الناجحة المشهود لها بالإبداع والموهبة، وللأسف نحاول تدميرها، وكما قال العالم الراحل أحمد زويل: «الغرب ليسوا عباقرة، ونحن لسنا أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»!.