دينا عبدالفتاح تكتب:.. 2022.. اقتصاد بحسابات مختلفة
دينا عبدالفتاح
انقضى عام وبدأ عام جديد.. وكل عام وأنتم جميعاً بخير وصحة وسعادة، ووطننا وأمتنا المصرية فى تقدم وازدهار، وصمود أمام كافة التحديات.
الاقتصاد المصري يعبر 2021 بمعدلات نجاح غير مسبوقة
انقضى عام 2021، وكان مليئاً بالتحديات الاقتصادية والأوضاع الصعبة ليس على مستوى مصر فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، وعلى الرغم من كل هذه التحديات استطاع اقتصاد مصر الصمود ومواصلة التعافى والتطور، ويرجع السبب الرئيسى فى ذلك إلى الأساس الصلب الذى يقف عليه الاقتصاد بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادى المالى والنقدى الذى نفذته الدولة خلال الفترة من 2016 إلى 2019، وتبعها برنامج الإصلاح الهيكلى الذى انطلق منذ عام 2019 وسيستمر لعدة سنوات أخرى.
الربع الثالث يشهد أعلى معدل نمو فصلى في 20 عاماً بـ9.8%
تمكّن اقتصاد مصر من مواصلة النمو الإيجابى، وحقق خلال الربع الثانى من 2021، الذى يوافق الربع الأخير من العام المالى الماضى، معدل نمو تاريخياً سجل 7.2%، وتواصل النمو التاريخى ليسجل الاقتصاد أكبر معدل نمو فصلى فى 20 عاماً خلال الربع الأول من العام المالى الحالى الذى يناظر الربع الثالث من 2021 بعد أن قفز معدل النمو فيه إلى 9.8%.
ومن المتوقع أن يواصل الاقتصاد المصرى تطوره فى العام المالى الحالى 2021/2022 ويرتفع معدل النمو فيه ليتراوح بين 5.5% و5.7% بنهاية العام المالى.
كما واصل الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية نموه وتطوره للشهر السادس عشر على التوالى ليصل إلى 40.8 مليار دولار فى نهاية سبتمبر الماضى.
وواصلت معدلات البطالة التراجع فى 2021 بفضل نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى، حيث تراجع معدل البطالة بمقدار 5.2 نقطة مئوية، ليسجل 7.3% فى نهاية الربع الثانى من عام 2021 مقارنة بـ12.5% فى الربع الثانى من عام 2016.
أداء قطاعى متطور
وشهد عام 2021 حركة تعافٍ واسعة النطاق على مستوى القطاعات الاقتصادية، حيث سجل قطاع المطاعم والفنادق أعلى معدل نمو ربع سنوى بنحو 181.8% فى الربع الثالث من 2021، بما يعكس التعافى الملحوظ لهذا القطاع بعد تداعيات جائحة «كورونا».
كما حققت قناة السويس فى ذات الفترة معدل نمو بلغ 20%، بتعافٍ ملموس مقارنة بالربع المماثل من العام السابق، ويرجع ذلك لزيادة إيرادات القناة، وعدد السفن والحمولة، كما حافظ قطاع الاتصالات على معدلات نمو مرتفعة، حيث حقق معدل نمو 16.3% نتيجة لزيادة مستخدمى الإنترنت فائق السرعة، والمشتركين فى الهاتف الثابت، وزيادة إيرادات خدمات البيانات نتيجة للاستثمار فى البنية التحتية الرقمية.
وعلى صعيد القطاع الصناعى الذى شهد تراجعات متتالية خلال الفترات السابقة، كان العام الماضى بمثابة نقطة تحول رئيسية له، بعد أن قفز معدل نموه فى الربع الثالث من 2021 ليحقق أعلى معدل نمو ربع سنوى بنحو 15.2% خلال العقدين الماضيين، بعد انكماشه بنحو 12.7% خلال الربع المماثل من العام السابق، وذلك نتيجة التحسن فى أنشطة صناعات الورق، والمستحضرات الدوائية، والمشروبات والملابس.
الصناعات التحويلية تعلن بدء التعافي السريع «تحسُّن دخل الفرد» و«نمو الشركات الناشئة» و«تشغيل المشروعات القومية» دعائم رئيسية لأداء أكثر تطوراً لاقتصاد مصر في 2022
كما حقق قطاع التشييد والبناء فى الفترة نفسها معدل نمو بلغ 10.5% مقارنة بـ2.6% فى الربع المناظر من 2020، وذلك نظراً لزيادة قيمة استثمارات هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التى أدت إلى زيادة الإنتاج فى قطاع التشييد وزيادة الاستثمارات الموجهة إلى الأنشطة الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يواصل الاقتصاد المصرى صحوته وتطوره خلال العام الجديد، مدفوعاً بعدة عوامل:
أولاً، استمرار التحسن فى متوسط نصيب الفرد من الدخل القومى نتيجة نمو الناتج المحلى الإجمالى بمعدل أسرع من النمو السكانى، الأمر الذى يدعم استمرار وتيرة الطلب الكلى المتعافى خلال الفترة المقبلة، وهو ما سيدعم بدوره معدلات الإنتاج فى السلع والخدمات وبالتبعية معدلات الاستثمار والتوظيف.
ثانياً، ظهور العديد من الشركات المصرية الناشئة فى عام 2021 والتى ستواصل النمو السريع فى عام 2022، ويعمل أغلبها فى مجالات التكنولوجيا، مثل توصيل الطلبات، والنقل الجماعى، وتقديم الخدمات المختلفة رقمياً، وسيدعم نمو هذه الشركات بشكل كبير النمو الاقتصادى، خاصة أنه يقدم فرص عمل مبتكرة لآلاف الأفراد وبمستويات دخول جيدة.
التحديات الخارجية المؤثر الأكبر على حركة الاقتصاد في العام الجديد.. و«التضخم» و«سلاسل التوريد» و«صراع القوى العظمى» أبرز القضايا
ثالثاً، استمرار البنك المركزى المصرى فى سياسته النقدية المتزنة التى توازن بين أهداف تشجيع الاستثمار والطلب الكلى من جانب، والمحافظة على معدلات التضخم فى نطاق المستهدف من جانب آخر، وهو ما سيعطى مزيداً من الاستقرار للاقتصاد المصرى ويعزز من تطوره ونموه.
رابعاً، تحسُّن الوضع المالى للدولة، على صعيد تراجع الدين العام، ومعدل العجز فى الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلى، وهذه المؤشرات تمنح الدولة المزيد من القدرة على الإنفاق فى مجالات البنية التحتية والتحول الرقمى، واستمرار وتيرة التنفيذ المرتفعة فى عدد كبير من المشروعات القومية.
خامساً، دخول بعض المشروعات القومية مرحلة التشغيل، وأهمها العاصمة الإدارية الجديدة، المتوقع بدء نقل موظفى الدولة إليها خلال عام 2022 تدريجياً، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على أداء الاقتصاد، خاصة مع التركيز العالمى على العاصمة الجديدة، وتشجيعها للعديد من المستثمرين على دخول السوق المصرية المتطورة، فضلاً عن وجود استثمارات بمئات المليارات فى العاصمة الجديدة ستبدأ فى العمل وتوفير فرص التوظيف الجيدة، وضخ الإنتاج الذى يتركز أغلبه فى القطاعين الخدمى والعقارى.
تحديات خارجية مؤثرة
ومع هذه المحفزات ينشأ خارج اقتصاد مصر العديد من التحديات التى من المتوقع أن تؤثر على أدائه، ويتوقف حجم هذا التأثير على قدرة الاقتصاد المصرى على التأقلم مع هذه المتغيرات والتعامل معها، ويتصدر هذه التحديات التضخم العالمى الذى حدث فى عام 2021 ومن المتوقع أن يواصل نموه وتطوره فى عام 2022، بفعل استدامة مسبباته، وأهمها الطفرة التى حدثت فى أسعار الطاقة، سواء التقليدية أو الجديدة، وكذلك النمو السريع فى أسعار الحبوب والمعادن عالمياً، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل، والخدمات اللوجيستية المختلفة، مع استمرار عدد كبير من دول العالم فى اتباع سياسات نقدية تيسيرية لتحفيز الطلب الكلى فيها على خلفية مقاومة آثار جائحة كورونا التى ضربت العالم فى مطلع 2020.
كل هذه المقومات تدعم استمرار أسعار السلع العالمية فى الصعود، وهو التحدى العالمى الأبرز الذى ينبغى أن نتعامل معه فى مصر بحذر شديد، من خلال تشجيع الإنتاج المحلى، وتعزيز القيمة المضافة، وتقييد الارتفاع المبالغ فيه من قبَل التجار فى أسعار السلع، بما لا يتناسب مع تطورها عالمياً، مع ضرورة السيطرة على نمو الطلب الكلى بمعدلات لا تدفعه لزيادة حدة التضخم، ولا تسحبه إلى موجات ركود تضخمى.
سلاسل التوريد العالمية
وتتضمن التحديات العالمية أيضاً استمرار المشكلات فى سلاسل التوريد العالمية، الأمر الذى يؤثر على حجم المعروض السلعى فى العديد من القطاعات وأهمها قطاع السيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، ولعل هذه الأزمة دفعت لارتفاع أسعار هذه السلع بنسب تصل إلى 15% فى أشهر معدودة، ومن المتوقع استمرارها على الأقل فى النصف الأول من 2022 لحين تطور الإنتاج وثبوت مرونته للتكيف مع تطور الطلب.
الصراع الدولى المتواصل
وتتواصل التحديات العالمية لتشتد بالصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على زعامة العالم، وكل قوة منهما لها مؤيدون ولها سياسات، تستهدف النيل من القوة الأخرى، على غرار صراع الرسوم الحمائية الذى انطلق فى عهد ترامب، والصراع على شركات التكنولوجيا، بالإضافة للصراع السياسى الذى يمتد لقضايا الشرق الأوسط ورؤية كل قوة منهما لهذه القضايا والأطراف المدعومة فيها.
وحال استمرار هذه الصراعات فى 2022 سيؤجج ذلك من الوضع الاقتصادى ويعزز من التضخم العالمى، فضلاً عن أنها ستمتد تأثيراتها إلى العديد من الدول فى مختلف أنحاء العالم.
ويكمن الحل هنا فى ضرورة صياغة مصر لسياستها الخارجية بشكل يحفظ مصالحها ويوازن فى علاقاتها بين المعسكرين الشرقى والغربى، وهو أمر تبرع فيه القيادة السياسية الحالية والمسئولون عن الملف الخارجى فى مصر.