التفاوت الرهيب فى الأجور تحول إلى ظاهرة عالمية تقلق الاقتصاديين فى كل بلاد العالم. ووفقاً لدراسة حديثة لبنك كريدى سويس فإن 1% فقط من سكان العالم يملكون 48.2% من الثروة العالمية (263 تريليون دولار). الظاهرة ليست جديدة لكنها تورمت. ففى السبعينات من القرن الماضى كان 1% من مواطنى أمريكا يستحوذون على نحو 10% من الدخل القومى لبلادهم. أما اليوم فيحصل هذا الـ1%، وعددهم نحو ثلاثة ملايين، على أكثر من 20% من إجمالى الناتج القومى المحلى الأمريكى. والأكثر غرابة أن واحداً من الواحد فى المائة، نحو 30 ألف شخص فقط، يملكون وحدهم 8% من الدخل القومى! وفى المقابل يعيش نحو 4% من سكان أمريكا على أقل من 2 دولار يومياً. وفى بريطانيا ينقسم المجتمع إلى نصفين؛ نصف محظوط يتمتع بـ96% من الدخل القومى، بينما يعيش النصف الآخر على الـ 4% المتبقية! ووفقاً لدراسة «كريدى سويس» فإن مصر، التى يملك 10٪ نحو 70٪ من ثروتها. تحتل المركز الثانى بعد الصين من حيث الظلم فى توزيع الدخل. هذه الظاهرة كانت الموضوع الرئيسى لأحد أكثر الكتب مبيعاً الآن فى أمريكا وهو «رأس المال فى القرن الـ21» للاقتصادى الفرنسى توماس بيكتى. الكتاب، الذى باع أكثر من 200 ألف نسخة فى الولايات المتحدة مؤخراً، يؤرخ لنمو الفجوة فى الدخول منذ بداية الثورة الصناعية فى القرن الـ18 وحتى اليوم، ورسالته الجوهرية أن العالم يسير بجنون فى الاتجاه الخاطئ، ولا بد من تصحيح المسار قبل أن تحل الكارثة: ثورة جياع. سبب الظاهرة، وفقاً لـ«بيكتى»، أن العوائد على رأس المال تنمو بمعدل أسرع من نمو الاقتصاد، ما يعنى أن أصحاب رؤوس الأموال ينجحون فى تحقيق أرباح ضخمة، لكن هذه الأرباح لا تخلق فرص عمل بنفس معدل نموها، وبالتالى فإن الأثرياء يزدادون ثراءً، وتزيد معاناة الفقراء. ويحذر «بيكتى» من أن الفجوة والظلم سيزيدان إلى الحد الذى لا يمكن معه استمرارهما سياسياً واقتصادياً، ويجب على كل حكومات العالم، ومن بينها مصر، اتخاذ إجراءات جادة لإعادة توزيع الدخول. ويقترح «بيكتى» حلولاً منها ضريبة ثروة متصاعدة، وضريبة دخل تصل إلى 80% على أصحاب أعلى شريحة دخل فى كل بلد، أى أكثر من ضعف أكبر نسبة فرضت فى مصر! الرجل، الذى أطلق عليه البعض «كارل ماركس» المعاصر، يقول إنه لا علاقة له بماركس ولا بغيره من أقطاب الشيوعية، موضحاً أنه من أنصار السوق الحرة والملكية الخاصة، و«لكن هناك حدوداً وسقفاً لهذه الحرية»، ويسخر من رفض بعض الأثرياء والاقتصاديين لضريبة الثروة، مؤكداً أنها «لن تدمر النظام الرأسمالى، فلا أحد يستطيع أن يدعى أن تحصيل 1% ضريبة من ثروة الأغنياء سيقتل الاقتصاد»، ولكنها بالتأكيد ستُحيى مئات الملايين من الفقراء على الأقل ليكونوا قادرين على شراء سلع الأثرياء.