نهضة مصر الحقيقية وتقدمها ورفعتها لن تتحقق إلا بسريان المنهج العلمى فى التفكير والعقول مسار العصارة فى الزيتونة، كما يقول الفيلسوف زكى نجيب محمود، لذلك لدىّ أرتيكاريا من إعلان أدوية أو علاجات قبل أن تمر بكل التجارب والخطوات المعتمدة، التى تعارف عليها العالم واتفق على معاييرها حتى صارت من البديهيات، ولدىّ أرتيكاريا أيضاً من عبارة علاج نهائى لكل الحالات، فالطب علم، والعلم نسبى لا يعطى الكلمة الأخيرة ودائماً يسكن محطات انتقالية، ويأبى الرحيل إلى محطة النهاية، لأنه لا توجد نهاية لفضول الاكتشاف والبحث، وكل يوم هناك جديد، لا بد أن نعرف أنه لا يوجد ما يسمى بالأسرار فى الطب، فالكشف العلمى الطبى لكى يستحق هذا الاسم لا بد أن يكون علنياً، وقد ذهب وولى عصر «نعمل العلاج فى السر ونخبى الأبحاث فى الدرج».. إلى آخر هذا الكلام، لا بد من النشر فى المجلات العلمية المحكمة وأمام المؤتمرات العلمية المعتبرة المحترمة، تتحول الورقة العلمية بعدها إلى وثيقة علنية للمناقشة والأخذ والرد والتفنيد، الأسرار العسكرية عمل شرعى لكن الأسرار الطبية عمل غير شرعى! نعم من حق مخترع الصاروخ أن يحتفظ بتفاصيل صاروخه، ومن حق مخترع الدواء أيضاً أن يحتفظ بسر الجزىء أثناء إجراء البحث، ولكن ليس من حق مخترع الدواء أن يحتفظ سراً بنتائج بحثه على المرضى، وليس من حقه أيضاً أن يخفى عنا تفاصيل هذه التجارب، وهل اتبع الخطوات العلمية الصحيحة المقننة أثناءها أم لا؟ هذا هو الفرق ولا مجال إذن للقول بأن إسرائيل أو الغرب سيسرق مجهودنا.. إلى آخر هذه الأوهام، وزارة الصحة ليست جهة تقييم علمى للدواء ولكنها جهة تسجيل للدواء والسماح بتداوله، التقييم العلمى مهمة لجان علمية جامعية محايدة، من الممكن أن تشترك مستشفيات وزارة الصحة فى الفريق البحثى لكن تقييم النتائج العلمية إكلينيكياً وإحصائياً هى مهمة اللجنة العلمية المكونة من أساتذة يختارون على أعلى مستوى من التخصص، من الممكن أن يسأل سائل لماذا المناقشات فى المؤتمرات الدولية وعرض الموضوع للتفنيد والقيل والقال فى المجلات العلمية، لماذا كل وجع الدماغ هذا؟! للأسف هذا الوجع الدماغى مطلوب بل هو واجب قومى ووطنى، خاصة بالنسبة للكشوف الطبية، مناقشات الأطباء التفصيلية ليست من باب الغلاسة أو ممارسة دور عواجيز الفرح ولكنها من باب المزيد من الدقة والأمان والفاعلية، المناقشات العلمية هى الديمقراطية الوحيدة الحقيقية فى هذا العالم.