«المحترفون يعملون لا يأملون»، عبارة أجمعت عليها أمى وحماتى مرتين، والفارق بينهما عشر سنوات، هى عمر جريدة «الوطن»، التى تمد العاملين بها بفخر وقوة ومدادٍ لا ينضب، تُسقَى به الأوراق، فتنبت صحافة مهنية. فى أول أيام شهر رمضان الجارى، جرت هذه العبارة على لسان أمى الحبيبة، رددتها بكل فخر وعزة وسط حشد مجتمع فى بيتها أمام التلفاز، والمشاهد الأولى من مسلسل «الاختيار 3» تعرض المؤتمر الصحفى لحركة «تمرد» بمقر جريدة «الوطن»، فيتذكر المجتمعون يوم 3 يوليو وسقوط جماعة «الإخوان» الإرهابية، ويدور الحديث حول تلك الأيام:
- مش ابنك شغال فى «الوطن»؟
- آه.
- هو فعلا الإخوان حاصروا الجورنال ساعتها، ما تسأليهولنا.
- ما أنا ياما سألته وياما حكالى هى دى أيام تتنسى، ده كان بييجى من الشغل مهدود ويحكيلى.
- بس والله محدش يعرف لو «الوطن» مكانتش استضافت المؤتمر ده كان إيه اللى هيحصل؟ الناس كان بقالها فى الشارع 3 أيام ضد الإخوان ومش عارفين هيعملوا إيه.
- المحترفون يعملون لا يأملون.
بهذه العبارة القصيرة، عبّرت أمى البسيطة عن فخرها بعمل ابنها فى مؤسسة وطنية كانت لها موقف حاسم فى لحظات مصر العصيبة. عبارة لا أعلم من أين استحضرتها أمى؟ ولكنها مُعبرة، فهى تصف بأمومتها أن كل مَن فى «الوطن» -وليس ابنها فقط- محترفون يتخذون خطوات جادة ويعملون ولا يكتفون بالشعارات، وعندما سألتها وهى تسرد لى هذا الحديث لتغيّبى عن الإفطار واللمة: كنت فخورة؟ قالت: كنت بحبك.
تَغيبى عن إفطار أول أيام رمضان مع أمى كان لحضور مراسم دفن حماتى وأمى الثانية، السيدة التى أكرمتنى بزوجة فاضلة وأكرمت أولادى من بعدى، وكانت المفارقة أن هذه السيدة قالت عبارة أمى نفسها، ولكن قبل عشر سنوات، وفى الشهور الأولى من تأسيس «الوطن». كنت مُعتاداً فى فترة خطوبتى على حكى كل همومى لحماتى، التى كانت تثلج صدرى دائماً بكلماتها الرطبة، وبعد ثورة 30 يونيو فى 2013، كنت فرحاً بإزاحة «الإخوان» ولكن موعد زواجى ربما يتأخر بسبب مشاهد الإرهاب التى فرضها الإخوان، فضلاً عن أنى اتخذت قراراً بتغيير مسار حياتى المهنى واحتراف الصحافة كمهنة أساسية بدلاً من كونها عملاً ثانوياً، فهرولت إلى حماتى لشرح الموقف.
- وإيه المكان الجديد اللى هتشتغل فيه؟
- جريدة «الوطن»، تعرفيها؟
- آه طبعاً، دى هى اللى فاضحة الإخوان.
- ما هو أنا رايح علشان يبقى ليّا دور.
- ربنا معاك، فعلا المحترفون لا يأملون.. ومتقلقش لو عطلت فى أى حاجة بخصوص الجواز ملكش دعوة.
وبعد مرور السنوات وإتمام الزواج، سألتها عن موقفها، فقالت إن العمل فى «الوطن» زود حبها لى، خاصة أنها كانت ترى أن التظاهر ضد «الإخوان» ليس هو المَخرج من سلطانهم الجائر، وأنه لا بد من أن يلعب كل مواطن دوره لإعادة بناء مصر بعد عام الإخوان المظلم وأحبت أن يكون لى دور.
بهذا كنت فخوراً بحب أمى وحماتى وعملى فى «الوطن»، وعلى مدار عقد من الزمان رأيت «الوطن» قائمة على الاحتراف، فالجريدة مثلاً تعتمد على التدريب المستمر والمتلاحق لعناصرها فى شتى المجالات، ولك أن تتخيل أن الجريدة وفرت ما يقرب من 950 فرصة تدريب لعناصرها، فى القصة الصحفية والصحافة المعمقة وصحافة الفيديو وفنون الإدارة الـ«كروس ميديا» والمونتاج وغيرها من التدريبات، التى خلقت من كل صحفى بالمؤسسة بطلاً مستعداً ومجهزاً لينقل ويشرح إلى القارئ كل ما يدور حوله داخلياً وخارجياً، ليتحقق شعار الجريدة الرئيسى: «الوطن قوته فى ناسه».
الاحتراف ظهر أيضاً، فى تنوع منصات «الوطن»، فمع الحفاظ على الصحيفة الورقية، وصمودها أمام الأزمات، امتدت أذرع «الوطن» الصحفية إلى البوابة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى بمنصاتها المختلفة، ولم تكتفِ بمجرد الوجود، بل كان الهدف دائماً التميز فى كل جديد تصل إليه الصحافة الإلكترونية، إلى أن حققت الجريدة أرقام مشاهدة وتفاعل مع القارئ الإلكترونى لم تصل إليها صحيفة مصرية أخرى. سر نجاح أخير داخل «الوطن» جعلها تتربع على عرش الريادة الصحفية لعشر سنوات، هو العلاقة بين العاملين بداخلها القائمة على الحب، والتى تدعمها دائماً الإدارة، فهنيئاً لى حب أمى وحماتى و«الوطن».