ربما نسيت الفلسطينية شيرين أبوعاقلة أن ترتدى سترة تحمل ديانتها، ولكنها ارتدت سترة تعلن أنها صحفية، فاغتيلت مرتين، الأولى برصاص الاحتلال الإسرائيلى الغاشم، والثانية بفتاوى سلفيين دعوا إلى عدم الترحم عليها، وسحبوا «صكوك الشهادة» ومفاتيح الآخرة «الحصرية»، وكأن رحمة الله -سبحانه وتعالى- فى انتظار دعواتهم لتتنزل على «شيرين» التى اختارت أن تكون «صوت فلسطين» الذى يفضح جرائم الاحتلال يوماً بعد يوم.
ألا تجوز الرحمة على من أفنت عمرها فى توثيق اقتحام المستوطنين الإسرائيليين لـ«المقدسات الإسلامية»؟ ألا تجوز الرحمة على من تنقل للعالم تدنيس «المسجد الأقصى»؟ أم أُقصيت الفتاوى السلفية عن معانى الرحمة؟ أفلا تعقلون؟ أفلا تتدبرون؟ أفلا تخشعون؟
وما الفائدة من السترات التى تشهر هوية مرتديها؟ فإذا كانت «سترة الصحافة» لم تنجِّ شيرين أبوعاقلة من عذاب رصاص الاحتلال الإسرائيلى الذى ترصَّد لإسكات صوتها، واغتال حريتها ومهنتها، فبالتأكيد «سترة الدين» كانت لن تنجيها من عذاب الفتاوى الشاذة بعدم الترحم عليها أو احتسابها شهيدة عند الله، واغتالت الفتاوى إنسانيتها.
الفتاوى السلفية، التى اغتالت إنسانية «شيرين»، اعتمدت على تأويل آيات قرآنية وأحاديث نبوية وغضت الطرف عن تأويل آيات أخرى وأحاديث أخرى، ولست هنا فى معرض لتفنيد أسانيد أو استنباط لحكم شرعى، ولكن أكتفى بالإشارة إلى أن الأزهر ودار الإفتاء المصرية مؤسسات دينية تبنت تأويلات بجواز الرحمة على شيرين أبوعاقلة، وغيرها من أرباب الديانات الأخرى، الذين أفادوا البشرية وعمّت أفضالهم مسلمين وغير مسلمين.
أكثر ما يثير الدهشة، هم أولئك الذين يتركون عقولهم لـ«دعاة»، ما أنزل الله بهم من سلطان، يعبثون بها، فحسابات موثقة كثيرة على وسائل التواصل، تعود لشخصيات عامة، ومشاهير وبينها حساب للاعب كرة قدم سابق، بعد أن ترحموا على «شيرين» لمواقفها فى إعلاء صوت الفلسطينيين المقهورين، بعد أن علموا أنها تدين بالديانة المسيحية، حذفوا دعاءهم بالرحمة واحتسابها شهيدة، وكأن مفاتيح الرحمة فى أدعيتهم.
الفرق بين اغتيال الصهاينة العنصريين لشيرين أبوعاقلة، واغتيال الفتاوى السلفية، هو أن الاغتيال الأول يحاول الإسرائيليون تبرئة أنفسهم منه ويزعمون، زوراً وبهتاناً، أن رصاصة طائشة من الفلسطينيين هى التى أودت بحياة شهيدة الصحافة، أما الاغتيال الثانى، فأصحاب الفتاوى الشاذة لا يتبرأون منها ويعتقدون أنهم بإصدارها يتقربون إلى الله، وأنهم ينقذون العوام من الناس من ارتكاب «خطيئة الترحم على غير المسلم».
الأمل لا ينقطع ولا يموت، فمع اغتيال «شيرين» مرتين، ظلت عباراتها تتردد بقوة على وسائل التواصل وأهمها: «ليس سهلاً ربما أن أغيّر الواقع، لكننى على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم»، فى إشارة لصوت فلسطين المحتلة، كما ظلت الدعوات بالرحمة تخرج من أفواه المصريين، صاعدة إلى السماء لله الواحد دون أن تحمل الدعوات سترة دين بعينه أو معتقد لتحميها من شهب السماء، فرحمة الله عليك يا شيرين فى الدنيا وفى الآخرة ونحتسبك عند الله شهيدة الصحافة، التى حاولت إيصال صوت فلسطين بمقدساتها الإسلامية والمسيحية واليهودية إلى العالم، لفك أسرها من احتلال صهيونى غاشم.