في ذكرى رحيل أسامة أنور عكاشة.. قائمة المشاهد المحذوفة من مسلسل «ليالي الحلمية»
أسرار بطل الشخصية الحقيقية لـ«علي البدري» وتفاصيل 4 معارك مع الرقابة
أسامة أنور عكاشة
كان أسامة أنور عكاشة ممتلئاً بالطموح.. والبراءة والعفوية، وكل شخصياته الدرامية صنعها دون خطة، كان يهوى التأمل.. في المجتمع والأشخاص بحكم دراسته لعلم النفس، إلى أن يجد نفسه مضطراً للكتابة باعتبارها الهواية التي قرر احترافها في ما بعد، ظل ما يزيد على 5 سنوات يكتب.. وينتظر اللحظة التي يشاهد فيها الجمهور ما كتب.
أهم فرصة في حياته الفنية كانت مع مسلسل «الشهد والدموع»، لكنها كانت خطوة محفوفة بالمخاطر، أولها أزمة مع الرقابة، وثانيها توقف التصوير بعد 20 يوماً، لأسباب مالية، لكن تبقى التجربة الأكثر قسوة في حياته من نصيب مسلسل «ليالي الحلمية»، بسبب كم المشاهد المحذوفة.
معارك أسامة أنور عكاشة مع الرقابة
انتصرت الرقابة في مسلسل «الشهد والدموع»، وتكرر الأمر في الجزء الثالث من مسلسل «ليالي الحلمية»، لكنه انتصر في الجزء الرابع من المسلسل.
كانت هذه هي أخطر اعترافات السيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة في حوار للتليفزيون السوري عام 1992، لكنه لم يُفصح عن تفاصيل معاركه الرقابية، واكتفي بالإشارة إلى أنها حرمته من تناول 4 أحداث مهمة في الجزء الثالث من «ليالي الحلمية»، وكانت كلماته محمّلة بمرارة أكبر من أن يكون ما جرى مجرد خلاف على مسلسل، فالأمر بالنسبة له كان بمثابة بتر لشخصية ارتبط بها في هذا المسلسل، أو بمعنى أدق.. شخصيته الحقيقية التي ظهرت في المسلسل.
السيرة الذاتية للكاتب أسامة أنور عكاشة
أسامة أنور عكاشة من مواليد عام 1941، حاصل على ليسانس آداب من قسم دراسات علم نفس والاجتماع من جامعة القاهرة عام 1962، وهي الدراسة التي جعلت منه متصوفاً يهوى مراقبة المجتمع وتشريح شخصياته، وكان القدر كريماً في منحه تجارب تزيد من صقل موهبته، فقد عمل إخصائيا اجتماعيا في إحدى دور رعاية الأحداث، ثم مدرسا، وبعدها موظف علاقات عامة.. واستقر به السلم الوظيفي في جامعة الأزهر، وفي كل هذه المراحل كان يجد نفسه مضطرا للكتابة عن الشخصيات التي يسوقها القدر إلى بصيرته.
في عام 1981 كان أسامة أنور عكاشة قد أمضى 15 عامًا من العمل كإخصائي اجتماعي في رعاية الشباب بجامعة الأزهر، وفي هذا العام شعر أن بإمكانه التخلص من أعباء الوظيفة، والتفرغ للكتابة، وكان وقتها قد انتهى من كتابة سيناريو مسلسل «الأبرياء» وتحمست لإنتاجه استوديوهات عجمان الإماراتية التي أسسها وأدارها عبدالله مراد وافتتحها الشيخ زايد آل نهيان في 20 مايو 1980، ودخل التليفزيون المصري شريكاً في المشروع، وكان أبطاله (ميرفت أمين وحسن يوسف وفاروق الفيشاوي ودلال عبدالعزيز وعبدالرحمن أبو زهرة، وجمال إسماعيل)، لكن المفاجأة أن المسلسل عُرض على شاشات دول الخليج، ولم تسمح الرقابة في مصر بعرضه.
أزمات مسلسل الشهد والدموع
في عام 1982 وبعد أن انتهى من كتابة سيناريو مسلسل «الشهد والدموع».. قرر أسامة أنور عكاشة الاستقالة من عمله في جامعة الأزهر؛ ليتفرغ للكتابة، ووقتها تلقى عرضاً من استوديوهات عجمان لإنتاج المسلسل، لكن بعد 20 يوماً من بدء التصوير توقف المشروع بسبب أزمة مالية، وتدخل التليفزيون المصري لإنقاذ المشروع، وجرى الاتفاق على تحويله لجزءين، واكتفت استوديوهات عجمان بالمشاركة في إنتاج الجزء الأول فقط، ورغبة من الكاتب في تجنّب مصير مسلسل «الأبرياء» قرر عدم الاصطدام بالرقابة، ولخص حاله في هذه التجربة بأن الرقابة انتصرت، لكن المفارقة أن المسلسل حقق نجاحاً مبهراً بعد عرضه عام 1983، وجرى إنتاج وعرض الجزء الثاني عام 1985.
معركة الجزء الثالث من مسلسل ليالي الحلمية
أسامة أنور عكاشة كتب ما يزيد على 50 مسلسلا تليفزيونيا بالإضافة لعدد من الأفلام السينمائية والمسرحيات، لكن بداية رحلته مع الأضواء والشهرة كمؤلف جاءت مع مسلسل «الشهد والدموع»، ثم جاءت المحطة الأبرز في مشواره «ليالي الحلمية»، لكنه لا يخفي أن تجربته في الجزء الثالث من المسلسل كانت قاسية، بسبب الرقابة، ويعترف أنها انتصرت عليه في هذه المعركة، وحرمته من مشاهد متعلقة بالتأثير السياسي السلبي لبعض اليهود المصريين في زمن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والمصير نفسه تعرضت له المشاهد المتعلقة بزيارة الرئيس السادات للقدس، والمشاهد المتعلقة بـ«كامب ديفيد» واتفاق السلام بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وأكثر ما أحزن السيناريست الشهير أن هذه المشاهد بعضها ظل موجوداً في نسخة المسلسل التي عُرضت في الدول العربية، خاصة المتعلقة بالشخصية الأقرب إلى قلبه «علي البدري».
أسرار البطل الحقيقي لشخصية «علي البدري»
يعترف أسامة أنور عكاشه أنه بكى كثيراً وهو يكتب مشاهد علي البدري في مسلسل ليالي الحلمية، ليس من باب التفاعل أو التأثر بالشخصية، بل لأنها تحمل أجزاءً كثيرة من حياته الحقيقية، «علي» كان ظلاً للمؤلف المحبط عاطفياً، والحزين دائماً، لأنه فقد والدته في سن مبكرة، وكان مشتتاً يتأرجح بين الطبقتين اللتين ينتمي لهما الأب والأم، وعاش سنوات من الإحباط في منتصف العمر بقدر الحماس والشغف اللذين تملكانه في سنواته الجامعية، عاش مرحلة فقدان الأهداف الكبرى وانهيار الأحلام بعد مرارة الهزيمة والنكسة عام 1967، وعاني من الصدمة والرغبة في الهروب والاستسلام لمتطلبات العصر الجديد.. وكانت النتيجة أن يتعايش مع مرحلة ما بعد «كامب ديفيد» بملامح شخصية مستسلمة في العلن.. وتحتفظ بهمومها وآلامها تحت الجلد.
قائمة أعمال أسامة أنور عكاشة
كتب أسامة أنور عكاشة عشرات المسلسلات التي تصنف باعتبارها من العلامات المضيئة في تاريخ الدراما المصرية، منها: (ضمير أبلة حكمت، رحلة السيد أبو العلا البشري، أنا وأنت وبابا في المشمش، وزيزينيا، والراية البيضا، وقال البحر، وريش على مفيش، و لما التعلب فات، وعصفور النار، وأرابيسك، وامرأة من زمن الحب، وأميرة في عابدين).
وكتب في السينما أفلاماً مميزة، منها: (كتيبة الإعدام، وتحت الصفر، والهجامة، ودماء على الأسفلت)، وفى مجال المسرح كتب مسرحية (الناس اللي في التالت، والقانون وسيادته، والبحر بيضحك ليه).
رحل أسامة أنور عكاشة يوم 28 مايو عام 2010، بعد 69 عاماً من العطاء، لكن رصيده الفني وتأثيره في الوجدان المصري والعربي يمنحه قوة البقاء والخلود في ذاكرة كل محبى الدراما العربية.