العلاج النفسي «أونلاين».. هل يمكن تشخيص وعلاج آلام الروح عبر الإنترنت؟
العلاج النفسي أونلاين
بعد الأزمات التي مر بها العالم في السنوات الماضية؛ والتي كان أبرزها جائحة كورونا، انتشرت ثقافة الكشف على المرضى وتشخيصهم «أونلاين» في مختلف التخصصات الطبية؛ وكان ضمن تلك التخصصات؛ الطب النفسي، فهل يمكن للطبيب تشخيص المريض النفسي أونلاين؟، وكيف يتعامل ذلك المريض مع طبيبه خلال العالم الافتراضي؟.
«الوطن» تواصلت مع عدد من المرضى الذين لجأوا للعلاج النفسي «أونلاين»، ليحكوا مزايا وعيوب تجربتهم في التعبيرعن آلامهم النفسية عبر شاشة صغيرة.
عندما فقد كريم محمود، 37 سنة، شهيته للحياة منذ عدة سنوات، وانقطع عن العمل نهائيًا لعدم رغبته في التواصل مع البشر، كما وصف لـ «الوطن»، لجأ لطبيب نفسي شخص حالته بـ «الاكتئاب الحاد»، بما جعله يتواجد في عيادة الطبيب بصفة دورية لمتابعة حالته عن قرب، وخصوصًا بعد تفكيره في الانتحار عدة مرات: «كنت حاسس إن جوايا بركان بيغلي.. ومحتاج لحد اتكلم معاه يساعدني».
الجلسة الأونلاين باهظة التكاليف
وبعد استقرار حالة كريم وتخلصه من الأفكار الإنتحارية التي تزوره من آن لآخر، اتجه للعلاج النفسي أونلاين حتى يوفر على نفسه بُعد المسافة من بيته للطبيب؛ إلا أن تكلفة خدمة العلاج أونلاين كانت باهظة: «أنا مليش أصحاب.. وبحتاج أتكلم مع حد متخصص مرتين في الأسبوع على الاقل.. في مرة لقتني دافع اكتر من 1800 جنية في جلسة كانت ساعة واحدة بس»، بما جعله يشعر بنوع من الاستغلال من قبل الطبيب، خاصًة أن قدرته المالية لن تتحمل تلك التكاليف بشكل مستمر.
صعوبة في التعامل مع الانترنت
حالة من التوتر والقلق أصابت «عزة محمد»، 54 سنة عندما لجأت للتعامل مع أحد تطبيقات التواصل أونلاين مع الطبيب، بما شكل عبئا نفسيا إضافيا عليها؛ حيث تُعاني من الاكتئاب منذ فترة نتيجة فقدان أقرب صديقة إليها كما قالت لـ «الوطن»، وعلاقتها بوسائل التواصل الإجتماعية ضعيفة جدًا، لذلك فضلت الذهاب لعيادة الطبيب اسبوعيًا أو شهريًا لمتابعة حالتها رغم بُعد المسافة من بيتها إلى العيادة: «حاولت أتعامل مع الإنترنت علشان أعمل استشارة أونلاين بس معرفتش.. لو مفيش حد من ولادي موجود مبعرفش أتعامل مع البرامج دي».
كما وجدت «عزة» صعوبة في صرف بعض الأدوية، التي يطلب منها الطبيب احضارها خلال جلسة الأونلاين؛ لأنها أدوية مُدرجة في جدول المخدرات، وتستلزم وجود روشتة العلاج معها: «مفيش روشتة أونلاين هتصرف أدوية جدول».
وقرر المهندس الثلاثيني «أحمد السيد» أن يلجأ لطبيب نفسي منذ حوالي 4 أعوام، حتى يتخلص من معاناته مع الرهاب الإجتماعي: «مكنتش بعرف اتكلم في تجمعات خصوصًا لو ناس غريبة»، ووجد في العلاج النفسي أونلاين حل جيد ولكنه ليس مثالي حسب حديث لـ«الوطن»، يضطر للجوء إليه عندما يضيق وقته ولا يستطيع الذهاب لعيادة الطبيب.
وأكثر ما أثر سلبًا في تجربة السيد في العلاج النفسي أونلاين، هو بطئ الإنترنت وعدم وصول كلامه بوضوح إلى الطبيب المُعالج، وبالتالي تأخُر رد الطبيب؛ بما عطل التواصل الذي من المفترض أن يحققه العلاج النفسي، حسب روايته.
اقتصار الأونلاين على المتابعة
أكد الدكتور «جمال فرويز»، استشاري الطب النفسي، أن العلاج النفسي يحتاج إلى بناء جدار ثقة متين بين الطبيب والمريض وفقًا لحديثه لـ«الوطن»، وهذا لا يتحقق من خلال العلاج أونلاين؛ فالأمر يتطلب في البداية ضرورة الذهاب إلى العيادة، حتى يستطيع الطبيب أن يستمع لحالة المريض بشئ من التفصيل، بالإضافة إلى أهمية الإستماع إلى أهله والمقربين منه لتشخيص الحالة بطريقة صحيحة: «فيه ثغرات نفسية الطبيب مش هيعرف يوصلها أونلاين». قد يفيد العلاج النفسي أونلاين في حالة المتابعة فقط، كما أوضح دكتور فرويز، للتعرف على مستجدات المريض من حين لآخر، وتغيير بعض الأدوية التي يستلزم استبدالها بأخرى: «العلاج الاونلاين مُكمل بينفع كمان وقت الازمات زي فترة الكورونا».
الأونلاين مفيد للحالات البعيدة عن العاصمة
العلاج النفسي أونلاين له قيمة كبيرة للمرضى الذين تفصلهم مسافات بعيدة عن عيادة الطبيب، كما صرح الدكتور هاشم بحري رئيس قسم الطب النفسي جامعة الازهر لـ«الوطن»؛ حيث تتابع معه عدة حالات من بلاد بعيدة في أمريكا والامارات على سبيل المثال، كما يجد المصريون الذين يعيشون في محافظات بعيدة عن القاهرة؛ كأسوان، صعوبة في زيارة العيادة كل أسبوع: «بيوفروا مصاريف وجهد كبير جدًا».
وأكد دكتور بحري أن هناك بعض الحالات التي تستلزم الحضور للعيادة، حتى يتم تشخيصها بشكل دقيق؛ خصوصًا مع حالات الإدمان والتوحد وفرط الحركة للأطفال، لأن تعبيرات الوجه ونبرة الصوت عن قرب تكون مفيدة في التواصل مع المريض.