علي جمعة: التفكير السليم من الأسس اللازمة لبناء إنسان الحضارة
الدكتور علي جمعة
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، في منشور له عبر حسابه الرسمي على «فيس بوك»، إن التفكير نعمة ربانية وهبها الله للإنسان، ومن شُكر النعمة أن نتحدث بها، وقال الله تعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، وقال رسول الله ﷺ: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»، والدليل على أن التفكير نعمة أننا قد أُمرنا به في حياتنا كلها، وقد ورد في القرآن قوله سبحانه: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، فربط بين الالتزام بالأوامر والنواهي في العقيدة والشريعة والأخلاق، وبين التفكر الذي هو الأساس في الفهم، ولهذا كان تعلم التفكير السليم أساساً من الأسس اللازمة لبناء إنسان الحضارة، فالفكر هو ترتيب أمور معلومة يتوصل الإنسان بها إلى مجهول.
التفكير المستقيم يبدأ من البحث في الجملة التي تخبر عن واقع
وأضاف مفتي الديار المصرية الأسبق، أن الأمور المعلومة تكون في صورة جملة مفيدة، ويضم الفكر جملة مع جملة ويربط بينها ويخرج بنتيجة منها، وكل جملة مفيدة قد تخبر عن واقع وقد تعبر عن طلب، والتفكير المستقيم يبدأ من البحث في الجملة التي تخبر عن واقع ويأخذ في التأكد من صحتها وإلا اتجه الفكر إلى الخرافة فلا يكون مستقيماً، وكل جملة مفيدة لها مجال، وكل مجال له طريقة في إثباته، ودليل يبرهن على صحته ومعيار للقبول والرد بشأنه.
وتابع جمعة أن هناك أمورا تعود إلى الحس والتجريب مثل جملة: «النار محرقة، والشمس مشرقة، ودليل هذه الأمور يكون بإدراك الحس أو بالخبر المتواتر الموثوق به، وهناك أمور أخرى تعود إلى العقل مثل حقائق الرياضيات، وهناك أمور تعود إلى النقل مثل أحكام اللغة وأحكام الشريعة، وكل ذلك يحتاج إلى منهج من التجربة والملاحظة والاستنتاج، وتكرار ذلك مرات حتى تستقر في الذهن حقيقتها وتكون صالحة للاستعمال، ويسمى المناطقة، والتفكير المعوج يؤدي بنا إلى الغثائية، ويؤدي بنا إلى عقلية الخرافة ومنهج الكذب، ويجعل الناس تعيش في أوهام، وإذا شاع هذا التفكير اختلت الأمور، وكان ذلك أكبر عائق أمام التنمية البشرية والإبداع الإنساني والتقدم والأخذ بزمام الأمور، والعلم وتحصيل القوة، وبالطبع أمام بناء إنسان الحضارة، وإذا كان كذلك فشلت كل محاولات الإصلاح وشاعت الغوغائية والعشوائية.
محاربة التفكير المعوج بصورة منتظمة
وشدد جمعة على أن الإصرار على اتباع التفكير المعوج الغثائي والتدخل في التخصصات المختلفة بصورة تجمع بين الجهل والكبر، يجب أن يحارَب بصورة منتظمة ابتداء من مناهج التعليم وانتهاء بالإعلام حتى نعود إلى الأمل في تغيير حالنا تطبيقاً لقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».