ما حدث فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى من مشاحنات واشتباكات وإصابات للعشرات أمر مؤسف، ويشير إلى احتقان شديد بين القوى السياسية، وأتاح الفرصة لبعض البلطجية لإشعال الأمر أكثر من اللازم.
إن مصر الآن تمر بتحديات جسام تهدد مكتسبات الثورة المصرية بل ومستقبل أجيالها لعشرات السنين؛ يُوجب علينا أن نتوقف لمراجعة أنفسنا جميعاً لتصحيح المسار وتوحيد الصف والانتصار لإرادة الشعب المصرى.
إن القضية الآن ليست قضية فصيل أو حزب أو جماعة أو نتيجة انتخابات، ولكنها قضية وطن ومستقبل وأمل ثورة؛ فلن نستطيع مواجهة تلك التهديدات الحثيثة والمتواصلة إلا بوحدتنا وتماسكنا وترابطنا.
إن المرحلة الحالية التى نعيشها لا تحتاج إلى الترف الفكرى والسجالات العقيمة ولا إلى اجترار الماضى واستحضار أخطاء كل فصيل للتشفِّى والانتصار للرؤى الشخصية واللجوء إلى التخوين، ولكنها تحتاج للدراسة واستخراج العِبر والدروس المستفادة والانطلاق نحو المستقبل بأطروحات عملية توحد ولا تفرق، تبنى ولا تهدم، تشحذ الهمم ولا تثبط، تعلى الصالح العام لا المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.
إن الثورة المصرية مهددة والذى يتهددها عدوٌّ للجميع، ولا بد أن نتكاتف ضده فهو يريد سرقة كل خيرات مصر، بل وحرق البلد بمن فيه، فهل نفيق وندرك الخطر؟!.
فمِساحة التوافق بين كل القوى والتيارات السياسية والفكرية أظن أنها كبيرة، ولا ينبغى فى هذه اللحظات الفارقة من تاريخ مصرنا أن نترك المتفق عليه ونبحث عن المختلف فيه ونعظِّمه ونعطِّل به المسيرة.. نحن أمام مخاطر حقيقية لسرقة ثورتنا وإضاعة مكتسباتنا وتهديد حقيقى لمستقبل أبنائنا؛ فإن لم نتوحد الآن فمتى نتوحد، وإن لم نتكاتف الآن فمتى تكون الوحدة؟!
إن الواقع المصرى أكبر وأهم بكثير من جميع الائتلافات والتحالفات والتكتلات وكذلك الدعوات الرامية إلى معالجة الأوضاع الكارثية التى خلّفها النظام السابق بجرة قلم أو عن طريق دعوة مجانية إلى إجراء حوارات شكلية، والكثير من هذه الدعوات، بغض النظر عن نيتها أو مقصدها فى هذا الطرح، لم ترتقِ يوماً إلى المستوى الذى يعبر عن آمال وطموحات الشعب المصرى، ولم تخرج عن النطاق الشعاراتى الدعائى إلا ما ندر، فالأمر يحتاج إلى خطوات عملاقة تتناسب مع خطورة وأهمية المرحلة وتداعياتها الوعرة.
ومن أهم هذه الخطوات التى يجب أن تكون فى الحوار بين القوى السياسية أن يشترك فيه الجميع مع الأخذ فى الاعتبار كل الآراء والتوجهات وعدم تهميش أو إقصاء أو استبعاد أى مكون من المكونات أو جهة من الجهات أو فئة من الفئات بغض النظر عن الحجم أو الاتجاه أو التأثير، وتفعيل هذا الحوار لمصلحة مصر ككل تفعيلاً عملياً وإجرائياً بعد دراسة جميع أسباب التوتر بين الجميع بعيداً عن لغة المهاترات وتبادل التهم وتخوين الطرف المقابل أو اتهامه بموجب نظرية المؤامرة، وبعيداً عن تغليب المصلحة الخاصة الضيقة والجزئية لأى مكون أو جهة، وبعيداً عن الصيغ الإنشائية والمقلوبة ضمن أطر جاهزة تدعو بشكل أو بآخر إلى أمور لا يمكن تحقيقها بالتصريحات الرنانة فقط.
فالهدف من الحوار يجب أن يقوم على بناء توافق وطنى لرؤية مستقبلية تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكافة انتماءات الشعب المصرى وإيجاد توافق وطنى حول المجالات السياسية والاجتماعية.
وإذا نجح المشاركون فى جلسات الحوار فى التوصل إلى رؤية واضحة للعقد الاجتماعى الذى نريده فسوف يتعاطف معهم الشعب المصرى، لأن ما يشغله هو ثلاثة أشياء: عدم استتباب الأمن، وازدياد التوتر الطائفى، وإعادة تسيير عجلة الاقتصاد بأسرع ما يمكن.
إن الحوار لا مناص منه بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية فى الساحة تحت سقف الشرعية الدستورية والثوابت الوطنية والتصدى الشعبى والرسمى لمخططات أعداء الثورة.
وهذا الأمر يتطلب من الجميع أن يرتقوا إلى مستوى من الجدية والحرص على الوطن والشعور بالمسئولية التاريخية الملقاة على الجميع، لأن الشعور بالانتماء الوطنى هو أول خطوة فى إنجاح هذا الحوار لمصلحة مصر.