أعلم أن البعض قد فزع عندما سمع أن هجوماً قد تم على بعض القطع البحرية المصرية أمام سواحل دمياط منذ بضعة أسابيع.. وأعلم أيضاً أن الفزع يزداد.. كلما تم العثور على إحدى القنابل التى يتركها هؤلاء المرتزقة فى محطات المترو أو فى قطارات الصعيد المكلومة.. ولكن ينبغى على الجميع أن يدركوا.. أنها ليست أحداثاً متفرقة.. بل هى حرب كاملة.. نعم إنها الحرب.. بكل ما تحمله تلك الكلمة من قسوة ودماء.. وبكل ما تبعثه تلك الكلمة من رهبة فى النفوس.. إنها الحرب التى خشيناها منذ عقود.. ولكن يبدو أن القدر يصر أن نبذل المزيد من الدماء.. فى سبيل الحفاظ على هذه الأرض.. والواقع أن تلك الحرب التى نخوضها ليست مفاجأة كما يعتقد البعض.. فمنطقة الشرق الأوسط منذ الأزل هى منطقة رمال متحركة.. لا تستمر فيها الخرائط على حالها طويلاً!.. فقط يبدو أننا من الجيل الذى كتب عليه أن يشهد انهيار خريطة سايكس بيكو اللعينة!
لا تندهش عزيزى القارئ.. فهناك ثلاث دول قد اختفت بالفعل وهى العراق وسوريا وليبيا.. والبعض ينتظر دوره مثل اليمن! هذا الوضع الحرج هو ما يجعل تلك الحرب التى نخوضها فعلياً -ونخشى الاعتراف بها- أمراً حتمياً انتظرناه منذ فترة.. المشكلة أن اختفاء الدول وتشكل دول جديدة مسألة مؤلمة لمن لم يعش خريطة أخرى. لكن الباحث فى التاريخ سيدرك بسهولة أنه موضوع متكرر.. حتى مع ما يحمله من تكلفة بشرية ومادية.. وأيضاً تكلفة حضارية وهى الأخطر.. فمع ارتفاع صوت المعركة ستظهر فى الأفق أصوات تهتف بأن طبول الحرب لها تقاليدها.. وما قد يكون مسموحاً فى عهود الثورات قد يكون ممنوعاً فى زمن الحروب.. إنها الحقيقة بالفعل -على الرغم من قسوتها- ولكنها ستظل الحقيقة.. فطقوس الحرب المعتادة فى وادينا الطيب تتضمن التجاوز عن كثير من السلبيات التى قد تنتقص من أداء الحكومات.. وخفض سقف الحريات إلى حد قد يكون غير مقبولاً للفئات التى خرجت تبحث عن حريتها فى يناير منذ ثلاثة أعوام! بل إن ظروف الحرب قد تشمل أيضاً أن نتقبل أداء أدنى من الآمال المعقودة ونرضى بما كنا نرفضه فى زمن آخر.. نعلم جيداً أن رائحة الدماء تزكم الأنوف.. وأن الخطر قد يكون جلياً.. ولكن الأمر يحوى مشكلة معقدة بالفعل.. المشكلة أن الوطن يحتاج للكثير من التحول الديمقراطى الذى نرجوه منذ أعوام طويلة.. وطبول الحرب التى تدق الآن قد تعيق بالطبع أى محاولة للسير فى هذا الاتجاه.. مما سيؤدى إلى زيادة الإحباط -الذى يزداد بالفعل بين البسطاء- لأسباب عديدة.. الأمر الذى قد يزيد من تعقيد المسألة ويعمق انقسام الصفوف.
ولهذا ينبغى على النظام أن يدرك أن الحفاظ على التوازن العادل بين التطور الديمقراطى الداخلى والأداء العسكرى.. هو السبيل الوحيد لتوحيد الصف الوطنى فى مواجهة حرب قد تطول.. والاعتراف بأوجه التقصير الحكومى -بل ومحاولة إصلاحه أيضاً- ضرورى لتحقيق المصداقية المطلوبة.. لاستدعاء الروح الوطنية التى نحتاجها.. إن اعتراف المريض بمرضه أولى خطوات العلاج.. وانتقاد الأداء الحكومى ليس من ممنوعات الحروب.. بل قد يكون أعلى درجات الولاء والانتماء.. والاستمرار فى اتجاه التحول الديمقراطى السليم قد يكون السلاح الأشد فتكاً.. للانتصار فى حرب الوجود التى نخوضها.