يومياً.. نقرأ أخباراً فى الصحف والمجلات عن إزالات تعدٍّ على النيل.. وأخرى لبناء أدوار مخالفة برذالة وإزالتها برتابة! بل نصطدم كمواطنين من فوضى الإزالات، وأكوام التراب التى تفسد حياة الناس.. إن استمرار لعبة المخالفات وقبحها يهدد هوى مصر المتميز بأن فيها حاجة حلوة! ونتذكر معاً أيام «ثورة التخريب العربى» الذى وسوس لها أهل الشر استغلالاً لأوضاع ضاق بها صدر الإنسان المصرى.. ما ساعد على سهولة استثارة شبابه بـ«شوية شعارات رنانة»، ولكن لرجاحة العقل المصرى سريعاً ما لفظ الشباب تلك الشعارات واسترجع رشده ورشاده.. وهمَّ ليبنى بلاده ويحميها من محاولات تخريبها وابتلاع سيناء! المهم أن مصر تتمسك بطبيعتها وهويتها لامتلاكها تاريخاً مميزاً مثل أرضها الخضراء الطيبة.. ومنذ زمن بعيد «فط ونط» عفريت الخراب الذى يتجاهل القانون ويمسك معولاً، يسيل لعابه لإفساد جمال تملكه بلادى ويستبدله بقبح يلهث وراء الثراء المادى، كاتماً أنفاس الأصول.. والقانون.. وكالعادة منذ فترات طويلة أقرأ أخباراً عن إزالات بالجملة، ومنها هذا الخبر الذى يقول: إزالة 1547 حالة تعدٍّ على النيل والمجارى المائية بسوهاج، كثيرة هى التعديات! تشوه وتفسد استقرار جمال بلادى ونعيماً يميز أرضها! وأنتقل إلى حالة خاصة.. وأشكو حنينى لحى المعادى زمان.. حدائق المعادى التى كانت جنة بما فيها من جناين وأشجار تملأ الشوارع وتثرى هواها بروائح الفل والياسمين.. وهنا أتوقف لمن يمصمص شفاهه من حنينى للجمال وعشقى للحى الذى كان «جنة»، وأكاد أرى أيادى تشير وتقول إنها مثل «مارى أنطوانيت» التى نصحت الشعب بأن يأكل الجاتوه والكرواسون بدلاً من الخبز الذى كانت تعانى فرنسا من ندرته أيام ثورتها الشهيرة!! ولكن يا سادة عشق الجمال ليس سُبّة، إنما التعود على القبح هو الذى يفسد الحياة ويُكئب أرواحنا!
ونرجع للنيل والكورنيش والمعادى.. أصبحنا نبحث عن النيل الذى تاه واندثر وسط مقاهٍ ونوادٍ وأبنية أسمنتية حجبت رؤيته تماماً!! أما المعادى وفيلاتها وبيوتها صغيرة الأدوار التى لم تكن تتعدى الثلاثة أدوار.. تم وأد القانون الذى يمنع إقامة أدوار زيادة، وأقاموا أبراجاً أربكت شوارعها الضيقة التى تم تخطيطها بعناية لتناسب بيوتها الصغيرة الجميلة بحدائقها الغنية بأشجار المانجو والجميز، وأزهار تشرح القلوب وتثرى الأرواح.. وهذا ينعكس على السكان، فلم نرَ جرائم ولا بلطجة ولا مناوشات.. كما يحدث الآن! بل كان فى وسط المعادى ترعة تسمى ترعة الخشاب، تحتضن «كوبرى خشب جميل» رأيناه فى فيلم «بنات اليوم».. حيث إن الفيلم معظمه تم تصويره فى المعادى.. هذا الكوبرى كان يشهد قفزى فرحاً يومياً وأنا فى طريقى لأداء تمرينات بنادى المعادى.. فهو يقع بين منزلنا والنادى، ولم أزهق أو أمل منه أبداً، دائماً يشدنى وأركز وأرتكز على سوره الخشبى المصنوع بفن ودقة فى الرايحة والجاية.. وأكيد كلنا نتذكر أغنية «ظلموه» لعبدالحليم حافظ، ونتذكر ماجدة وهى وسط المياه بجانب الكوبرى، وحليم يغنى لها.. مشهد «نوستالجيا» لأيام وزمن كان الجمال هو رائد التوجيه لاستقرار السلام الاجتماعى وبهجة التواصل الإنسانى! والسؤال: لماذا نستسلم لاستمرار فوضى التعديات على الأصول والقانون ولا نتبرم إنسانياً من بجاحة وبلطجة القبح؟.. الدولة تحاول السيطرة على التعديات الرذلة وإزالتها! ولكن هذا ليس الحل.. الحل فى تفعيل القانون بحسم وقوة، واستعادة بهجة الجمال وأناقته بتقديمه فى الدراما والأفلام.. وعرض المدن الجديدة على الشاشات لعل وعسى نتذكر جمالاً نسيناه!