وبعد القنبلة التى فجرتها إيلا بوجه ديفيد ذهبت من فورها لكتابة رسالة لعزيز فقد أرادت أن تبلغه قرارها بأنها تحبه!! وكتبت إيلا لعزيز رسالتها القاطعة التى تقطع بها على نفسها وعلى العالم أى سبيل للرجوع والتقهقر وقالت: «لقد قررت أن أخط إليك رسالة فى هذا الوقت بالأسلوب القديم بقلم وحبر وورقة معطرة وطابع بريدى وأنى سأرسلها إلى أمستردام بعد ظهر اليوم، أريد أن أفعل ذلك فوراً لأننى إذا تأخرت فى إرسالها فقد لا أتمكن من إرسالها أبداً! إذن إيلا تورط نفسها بعد أن تورط قلبها وأحب عزيز وتستمد القوة والعزم من هذه الأدوات السحرية، الورق المعطر وطريقة المراسلة الرومانسية التقليدية، التى تحمل مع طابع البريد الطابع الإنسانى فرائحة الورق وخط الحبيب حتى وإن كان بالكاد يقرأ، يجعلان الأمر مختلفاً وحينها تدب الروح فى كل شىء فهذا عبق الحبيب وعطره، وذاك مكان وأثر يده وهو يخط كلماته، ومع رسم الحروف والكلمات هو يرسم لك مشاعرك بل إن مجرد فتح الظرف المعطر يجعل قلبك يدق ويكاد يفتح الرسالة سابقاً إياك ورسالتى: إننا بالفعل فقدنا الكثير من رومانسيتنا وخيالنا باقتحام التكنولوجيا حياتنا فضاعت فرحتنا باستقبال ساعى البريد الذى يحمل إلينا السعادة برسالة معطرة من حبيب أو عزيز أو قريب، رسالة ربما كان بها عطر أو خصلة شعر أو دموع فراق وشجن! ورسالة أخرى: أنه أحياناً عليك أن تباغت نفسك والآخرين بقراراتك لأنك لو فتحت باب التفكير المتردد لن تنجز شيئاً، إن بعض الخجل والخوف يضيع فرصاً لا ينبغى لها الضياع، وبعض المغامرة والمقامرة مفيد وإن لم يفد تظاهروا بأن شيئاً لم يكن، فالحياة قصيرة والفرص الكبيرة نادرة.
وتكمل إيلا فى رسالتها لعزيز: «فى البداية تلتقى بشخص -شخص يختلف اختلافاً تاماً عن جميع من حولك من الأشخاص- شخص يرى كل شىء بمنظار مختلف ويجعلك تغير منظورك وتلاحظ كل شىء من جديد من الداخل ومن الخارج، ويخيل إليك أن بإمكانك الإبقاء على مسافة آمنة بينك وبينه، ويخيل إليك أنك تستطيع أن تبحر وتشق طريقك فى خضم هذه العاصفة الجميلة.. لكنك تكتشف أن الأمر ليس كذلك أبداً!! ومع تكرار إيلا لكلمة شخص مرات عدة إشارة ما، ربما أنها رأت فى عزيز أنه هو التجسيد الحى لكلمة «شخص» كيان إنسان، وربما أيضاً كان السبب هو وحشة حياة إيلا ووحدتها وسط أسرتها، التى انتشلها منها عزيز، فديفيد الخائن والمشغول عنها بحياته وأطفالها الكبار المشغولون عنها باهتماماتهم وعالمهم لم يعطوها الوجود والحضور والحياة، فالشخص أو الإنسان هو من يتعامل معك بإنسانية وآدمة ويشعرك بأنك ذو الأهمية الكبرى.
وتكمل له قائلة إنها لا تعرف تحديداً متى بدأت مشاعرها تنحى هذا المنحى تجاهه، بل إن الشىء الوحيد التى هى واثقة منه أن تبادلهما للرسائل جعلها تتغير ومنذ البداية وتكمل أنها ربما بتسرعها هذا قد تندم على ما قالت ولكنها بعد أن أمضت حياتها كلها نادمة على الأمور التى لم تتمكن من القيام بها فقد أخذت درساً، ولهذا وبهذا فإنه لا ضير أن تجازف ولو من باب التغيير.. حقاً كم تغيرت يا إيلا الخجولة. وتكمل أنه ومنذ أن قرأت روايته ورسائله الإلكترونية هيمن على تفكيرها وجعلها تشعر بمشاعر هجرتها منذ زمن، وقد كانت تدوم تلك المشاعر طول اليوم، ومن مظاهرها وأعراضها أنها كانت تتحدث إليه بصمت، وعندما تقوم بعمل ما تتمنى أن يكون هو رفيقها، وعندما ترتاد مطعماً جيداً تريد أن تكون بصحبته وعندما ترى شيئاً يثير الاهتمام تحزن، لأنها لن تستطيع أن تريه إياه، وتزيد أنه منذ أيام سألتها ابنتها الصغيرة هل فعلت شيئاً بشعرها؟ ومع أنها لم تغير به شيئاً فإنها بدت مختلفة، جعلها الحب مختلفة.
ورسالتى: أن الحب يجعلنا نبدو أصغر سناً وأجمل شكلاً وأنضر عمراً، فالورود التى تسقى تحتفظ بحياتها وينوعها وإشراقها أما المهملة المتروكة والمهجورة فيزورها الوهن ويزحف على وجهها شحوب الموت وزرقته فكونوا أحياء ولا تموتوا قبل الأوان.
وهنا وفجأة تُذّكر إيلا عزيز ونفسها بشىء غاية فى الأهمية والغرابه وهو..