استطاع المفكر الكبير وأحد أقطاب حزب التجمع خليل عبدالكريم أن يوضح لنا إلى أى قدر تاجرت الجماعات الإسلامية بفكرة الدولة الإسلامية، وسبق الكثيرين فى هذه الرؤية ووضح أسانيده منذ سنوات طويلة حيث ولد عام 1930 وتوفى عام 2002 وكان له مؤلف بعنوان: «الإسلام بين الدولة المدنية والدولة الدينية»، وعندما نتبحر فى هذا الكتاب يشرح «عبدالكريم» مفهوم الدولة الدينية أو الإسلامية أو حتى لو كانت مسيحية أو يهودية.
حيث يرى أن الدولة الدينية يتم اختيارها من الخالق مثلما اختار الله أنبياءه، ويشير إلى أن هذه الدولة لا يحكمها أى تدخل بشرى حيث يعيش قادتها وهم الأنبياء أبد الدهر ولا يُنتخبون ولا يخطأون لأن الوحى الإلهى يتدخل فوراً بأوامر من الله لتنفيذ حكم من أحكامه على الأرض أو لتصحيح وضع ما.
كما يؤكد أن قائد هذه الدولة يظل محروساً من السماء بواسطة جنود ربه الذى لا يعلمهم إلا هو ولذلك نزلت الآية الكريمة «والله يعصمك من الناس»، وهكذا قال رسول الله فى أحد أحاديثه للصحابة وجنوده «اذهبوا فأنا معصوم من الله»، بينما أى إنسان كان على رأس أى دولة بعد ذلك يسير بحرسه ولا يحميه أحد حتى الصحابة، فلقد قتل عمر بن الخطاب أمام الجميع لأنه ليس معصوماً.
ويقول «عبدالكريم» فى كتابه: «فى الدولة الدينية توالى السماء رئيسها بالمشورة فى معضلة صغيرة أو كبيرة والذكر الحكيم ينص علينا الكثير من ذلك، حيث ورد فى صورة المجادلة عندما جاءت خولة بنت ثعلبة إلى الرسول الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم، تسأله عن الظهار وتشتكى ما فعله زوجها بها.
وتقول أم المؤمنين عائشة فما برحت وتقصد ما إن غادرت خولة حجرة عائشة حتى نزل الوحى «جبريل» بهذه الآيات: «قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله»، وهناك مثال آخر يوضح هذه الفكرة، حيث لم يأخذ النبى محمد برأى عمر بن الخطاب والذى طالب بقتل الأسرى بعد موقعة بدر حتى لا يعودوا ويحاربوا الدولة الإسلامية، ولكن الرسول محمد أخذ برأى أبى بكر الذى طالبه بالإفراج عن الأسرى وقبل منهم الفداء ولهذا عاتب الله نبيه فى سورة الأنفال: «مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ».
ويختتم «عبدالكريم» فى كتابه أن طاعة ولى الأمر فى الدولة الدينية فرض دينى بينما بعد وفاة النبى فلا طاعة لأى حاكم لأن الوحى انقطع عنه وأصبحنا أعلم بأمور دنيانا بقول النبى نفسه.
وفى ظنى أن صيحات أعضاء الجماعة الإرهابية فى مصر «إسلامية.. إسلامية» منذ تأسيسها على يد حسن البنا وأخيراً بعد ثورة 2011 وما سموه غزوة الصناديق، وكذلك ذبح داعش والنصرة وغيرهم من الحركات الإرهابية كل من لا يعترف بدولتهم الدينية لم يكن جرماً فى حق الإنسانية وفقط ولكنه انعكاس لجمود عقلى وشطط ما زال يقبع فى عقولهم منذ 1400 عام.
وفى المقال المقبل سوف أكمل لماذا لا نستطيع أن نقارن بين جماعات الدم والعدميين وهذا الوصف الأخير يعنى بالأشخاص الذين يؤمنون بمعارضة الحياة ويرفضون الوجود البشرى حيث يشرح لنا خليل عبدالكريم مدى خطورة الإرهابيين والمدافعين عن الدولة الدينية حتى يومنا هذا وتُجاوز خطورتهم العدميين والمجرمين المتعارف عليهم فى كل بقاع الأرض، حيث من خلال المقال القادم سأوضح إلى أى قدر أعضاء جماعة الإخوان والجماعات الدينية هم الخطر الذى يهدد العالم وقد تجاوز خطرهم «النازية والفاشية».