صحفي عاش في «جلباب أبيه» (بروفايل)
ياسر رزق
مضى عام على رحيل الكاتب الصحفى ياسر رزق، لكن الغياب لم ينَل من حضور سيرته المهنية، بل زاد من توهجها خلال العام المنصرم لمسةُ وفاءٍ من الرئيس السيسى، تمثلت فى إطلاق اسمه على أحد المحاور المرورية المهمة، وأكثر ما يلفت النظر أنه يربط منطقة وسط البلد وطريق صلاح سالم بهضبة المقطم، والمناطق الثلاث تمثل محطات مهمة فى حياته داخل القاهرة، هى مسكنه القديم فى مدينة نصر، ومسكنه الجديد فى المقطم، وبينهما جريدة الأخبار ونقابة الصحفيين فى وسط البلد.
لكن يبقى الجزء الأكثر سحراً فى حياة ياسر رزق هو ما يخص بدايته فى الإسماعيلية، وبالتحديد فى «أبوصوير»، المدينة التى شهدت ميلاده عام 1965، وكانت بيوتها قبل سكانها تمتلئ بالحكايات عن والده فتحى رزق، باعتباره البطل الذى لم يغادر موطنه وقت الشدة، فهو واحد من أقدم وأمهر المراسلين العسكريين، ويومياته مع معارك «العبور» تحولت بعد رحيله إلى كتاب أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2011 تحت عنوان «جسر على قناة السويس».
كان ياسر رزق يفتخر بتاريخ والده ومهنته، لم يتعامل مع الصحافة باعتبارها «جلباب أبى»، بل كان يراها المنبر الذى أتاح لوالده أن ينقل للناس الصفحات المضيئة من تاريخ حرب أكتوبر عام 1973، واختار الابن أن يسير على نفس الدرب، وتسرب عشق الصحافة إلى مخيلته منذ كان صغيراً، يشاهد والده يقضى الساعات ليسجل ما حصل عليه من معلومات، ويحولها إلى قصة صحفية يرويها المئات من بعده، وأدرك أنه لا بد أن يكون مغامراً، ليصنع حكايته.
40 عاماً عاشها عاشق الصحافة متنقلاً بين أروقة «صاحبة الجلالة»، لم يتوقف خلالها نهمه للمعلومات، ورغبته فى توثيق الأحداث، لذا لم يكن غريباً أن تكون إطلالته الأخيرة بمناسبة صدور كتابه الأول «سنوات الخماسين» وهو الجزء الأول من ثلاثية قرر أن يؤرخ خلالها رحلة الجمهورية الجديدة.
مغامرات ياسر رزق مع الصحافة والسياسة كثيرة، ولم تزعجه التهم المنسوبة له، لكن تهمة واحدة أزعجته، وتسببت فى تحطيم سيارته، وقتها كان يجلس فى منزل والده بالإسماعيلية، يخطط لرحلة العودة إلى القاهرة، بعد نهاية مباراة كرة القدم بين الإسماعيلى والأهلى، كان حزيناً لخسارة «الدراويش»، وبعد دقائق قليلة تسربت إلى مسامعه أصوات جماهير الكرة الغاضبة، كانوا يجوبون الشوارع القريبة.
وبعد ثوانٍ معدودة كانوا يقفون أمام منزله، ويحطمون سيارته التى تحمل أرقاماً قاهرية، فقرر الخروج لمواجهة الحشد الغاضب، لكنه تراجع لأنه يعرف طبيعة جمهور كرة القدم، وخاصة محبى «الدراويش»، ومضت دقائق قليلة، استقبل بعدها مكالمة من مسئول بالمحافظة، يعتذر له فيها عما بدر من «ألتراس الإسماعيلى»، ويبلغه أنه سيرسل من يصلح السيارة، فرد عليه ضاحكاً: «كويس إنها جات فـى عربيتى.. همّا فاكرينى أهلاوى.. ده أنـا اللى اكتشفت الإسمـاعيلية»، وتبادل بعدهـا الضحك مع محدِّثه.