عاشت الأراضى الفلسطينية يوماً عصيباً، فى مدينة جنين بالضفة الغربية، التى نفذت فيها قوات الاحتلال الاسرائيلى مجزرة راح ضحيتها تسعة شهداء منهم مسنة، آليات الاحتلال وقواته المدججة بالسلاح اقتحمت المدينة ومخيمها بغرض القتل والتنكيل، وهى غاية مستمرة للاحتلال، ينفذ من خلالها تنكيله بأهالى المدينة.
تعودت مدينة جنين على هذا المشهد منذ سنوات، رغم استعصائها على قوات الاحتلال الاسرائيلى المدجج بكل أنواع الأسلحة، مدينة جنين أصبحت رمز للتصدى والصمود فى وجه عدو غادر، لا يتورع عن القتل والسحل والاعتقال لأبنائها الصامدون، كما غزة التى استعصت على حروبهم المتكررة واعتداءاتهم المستمرة ضدها، لكن المشترك بينهما، سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا ونزيف الدماء المتواصل الذى يغذى نهم الاحتلال، ويفتح شهية جنوده على المزيد.
ثلاثون شهيدا ارتقو منذ بداية العام وحتى الآن، فى شهر يناير الذى لم ينته بعد.
فإلى متى يستمر نزيف الدم الفلسطينى دون محاسبة ولا عقاب ولا حتى إدانة دولية خجولة؟!.حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية والأكثر تطرفا فى تاريخ اسرائيل، ظهرت ملامحها جليا ومنذ اللحظة الأولى لتشكيلها، ورغم ذلك لم يتحرك المجتمع الدولى ولا الولايات المتحدة الامريكية الراعى لارهاب اسرائيل، باجراء واحد يوقف هذا التعطش لدماء الفلسطينيين، وكأنهم أرقام لا تعنى فى احصائيات البشر قيمة أو وزن.
شهدت جنين أحداثاً دامية على مدار السنوات الماضية، وواجهت العديد من الاعتداءات التى ترقى لجرائم الحرب على يد قوات الاحتلال، ولم يتغير شئ فى المشهد الفلسطينى.
قتلت شيرين أبو عاقلة المراسلة الصحفية لقناة الجزيرة على يد جندى اسرائيلى قناص حاقد فى جنين، أثناء تغطيتها للأحداث التى تشهدها المدينة، والدلائل الدامغة تدين جيش الاحتلال، ولا زالت قضيتها محل تشكيك ومهادنة للتعتيم على جريمة الاغتيال، وتعطيل وصولها إلى المحكمة الجنائية الدولية، مجزرة الأمس التى نفذتها قوات الاحتلال فى جنين بدعوى القبض على مطلوبين، هى مجرد حلقة فى سلسلة الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على المدينة، بهدف الابادة وسحق سكانها.
فقد أصبحت جنين تشكل صداعا فى رأس اسرائيل، وعلى نحو خاص وزير الأمن القومى اليمينى المتطرف ايتمار بن غافير، الذى لم يتردد فى الاعلان قبل أيام، بأن اسرائيل باتت على أبواب حرب جديدة ضد الفلسطينيين "حارس الأسوار 2"، على غرار معركة "سيف القدس" الأخيرة التى شنتها اسرائيل على قطاع غزة فى مايو عام 2021، أو "حارس الأسوار" كما يطلق عليها الاحتلال، وراح ضحيتها أكثر من مائتى شهيد من المدنيين بينهم أطفال ومسنيين.
30 شهيداً، قتلوا برصاص جيش الاحتلال الاسرائيلى، منذ بداية العام الجاري (2023)، في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة.
وتعني هذه الإحصائية أن شهيداً واحداً يرتقى برصاص جيش الاحتلال كل 30 ساعة، منذ بداية العام الجاري، فيما وصل عدد الشهداء خلال العام الماضى 2022 إلى 230 شهيدًا، بينهم 59 طفلًا و16 امرأة وفتاة، من ضمنهم 170 فلسطينيًا ارتقوا بالضفة، و54 في قطاع غزة، بالإضافة لـ 6 شهداء ببلدات الداخل المحتل.
السلطة الفلسطينية مكبلة الأيدى، عاجزة، لا تستطيع من أمرها شئ، أمام كل هذا القمع والعدوان الاسرائيلى، وكل ما استطاعت فعله ردا على مجزرة جنين الأخيرة هو إعلانها وقف التنسيق الأمنى مع اسرائيل؟ ورغم أن دوامة العنف فى الضفة الغربية تصاعدت وتيرتها فى الأشهر الماضية، بما يهدد باندلاع انتفاضة جديدة لن تتأخر كثيرا، إلا أن الادارة الامريكية لم تفعل شيئا يرتقى لمستوى العنف والأحداث التى تشهدها الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، أكثر من الادانة والنصح بضبط النفس!.
كان من المفترض أن تركز زيارة "وليم بيرنز" رئيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية الحالية لاسرائيل، على الملف النووي الإيراني، والتعاون العسكري بين إيران وروسيا والأنشطة الإيرانية في المنطقة، لكن في ظل التصعيد الأمنى المستمر والخطير الذي تشهده الأراضي الفلسطينية منذ عدة أيام، وارتكاب قوات الاحتلال لمجزرة جنين، سيؤثر ذلك على الأرجح على محادثات ملف إيران النووى، وربما يتمحور اللقاء بين الطرفين حول قلق الولايات المتحدة من دوامة العنف في الضفة الغربية، ورغم أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تحافظ على علاقات وثيقة مع المخابرات الفلسطينية، حيث بقيت كقناة وحيدة للاتصال بين الطرفين حتى خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، عندما تم تجميد العلاقات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية.
إلا أنها تلعب دورًا مركزيًا في دعم التنسيق الأمنى والاستخباراتى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
فهل سيكون دور بيرنز الوحيد هو التهدئة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل لاعادة التنسيق الأمنى بينهما فقط؟! هل ستتخذ الولايات المتحدة يوما خطوة إلى الأمام فى مواجهة جرائم الاحتلال؟! وهل السلطة الفلسطينية قادرة على الصمود بوقف التنسيق الأمنى أمام الضغوط الامريكية والابتزاز الاسرائيلى؟ أم أنها سترضخ لما يُملى عليها تحت وطأة الضعف والانهيار الذى بات وشيكا؟.