نسمع أصداء الأسئلة التي تتردد على مسامعنا في صغرنا: "ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟"، وتتداعى إلينا أجوبة مألوفة، مستمدة من تطلعات أهلنا وأمانيهم العذبة، لنجاوب: طبيب، ضابط، مهندس، وإذا بنت فتريد أن تصبح معلمة.
وبعد عام 2019، تسربت أحلام جديدة إلى قلوب أطفالنا، ومنها حلم الطفل الذي يتأرجح في مشاعره بين هزاع المنصوري وسلطان النيادي، بينما تتلألأ عيونه برغبة قوية ليصبح رائد فضاء، وهنا قفزة حدثت في خيالات الأطفال وطموح جديد كان مغلق على الأجيال السابقة ومحصورة على فئة من العالم، ثم أصبح للعرب شأنًا فيه.
ومن جيل إلى جيل، كان الشيخ زايد -حكيم العرب- مركز القدوة والنور الذي تعلقت به أرواحنا، فأصبحت أفعاله وأقواله أمثولة عظيمة نقتفي أثرها في مختلف أقطار الدول العربية وليس فقط الإمارات.
وعلى خطى الشيخ زايد، ظهر "غيث" الشاب الإماراتي الذي أسس برنامج "قلبي اطمأن" الذي تخطى أكثر من 800 مليون مشاهدة، وظل شعاره الرنان يردد: "الناس للناس".
وجاءت فكرة البرنامج بأن العطاء لا يعني بأن يبرز وجه المذيع، وعندما يسألونه من أنت يقول لهم غيث ومن الإمارات وفقط، ويجعل من المحتاج بطل القصة والحلقة، ويبرز ما في نفوسهم من عِفّة وسمو الأخلاق.
وبكلمات مقدم البرنامج "غيث" البسيطة وعفوية أبطال حلقاته، استلهم الشباب العربي أفكاره وساروا على نهجه في العديد من البلدان العربية مثل اليمن والعراق والمغرب ومصر، بصنع مبادرات إنسانية وتكاتف مجتمعي ليخرجوا الكرم العربي فيهم بأجمل الصور، وهذه قدوة جديدة برزت من برنامجه الرمضاني خلال الخمس سنوات الماضية.
ولا يقتصر دور القدوة على الإمارات، بل برعت مصر بقدوات يشار إليها بالبنان، حيث يعتبر اللاعب محمد صلاح، المعروف باسم "الملك المصري"، مثال للنجاح والاجتهاد وحقق مال لم يفعله أي عربي آخر في مجاله، وألهم الانجليز قبل المصريين، وإلى جانب رياضيته الرائعة، يُعرف "صلاح" بأعماله المجتمعية والخيرية داخل مصر وخارجها.
ومن جانبه، البروفيسور مجدي يعقوب "جراح القلب العالمي" من أشهر الأطباء مصر والعالم العربي، وعُرف بأعماله الجليلة لخدمة أبناء مصر وخصوصا المتعففين.
وفي أمريكا رائدة صناعة "الهوليود" والقدوات الخيالية مثل سوبرمان وباتمان وكابتن أمريكا، فأصبحت تلك الشخصيات تجسيدًا لصفات المُخَلّص والبطل الذي يسعى لإنقاذ العالم، ليرسخوا للداخل الأمريكي والعالم بأنهم طوق النجاة والملاذ الآمن، ويدفعون انتاجات "هوليوود" الكرتونية والدرامية لذلك.
لكن في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، تعرّف أجيالنا على قدوات سطحية تبعثرت بين مظاهر زائفة وثروات مشاهير "السوشيال ميديا"، وأصبح في هذا الجيل من يلهث خلفهم طمعا بتسليط الأضواء والكسب السهل، ففعلوا ما فعلوا من انتهاكات لا حصر لها أخلاقيا واجتماعيا.
وفي المقابل، أيضًا تستغل الجماعات الإرهابية العقول الضعيفة وتنشئ قدوات متطرفة مثل بن لادن وداعش لسد فراغ القدوات المتزنة المفقودة في مجتمعاتهم، وترسم لهم الجنة وما فيها من نعيم، مقرونة بأعمالهم الإجرامية التي لا تتصل بالإسلام وسماحته أبدًا.
وفي هذا السياق الرحب، ينبغي على الوالدين أن يدركوا مسؤوليتهم الكبيرة في تنشئة أجيال قوية وقادرة على تحقيق النجاح وتحديد القدوات الصحيحة.
فالوالدان هما المثل الأعلى لأطفالهم، فيرى الأبن أبيه بأنه هو سوبرمان أو غيث أو محمد صلاح، فكن لهم كذلك ولا تكن رمزا لا يُشرف ويقتدي بك.
ومثلما قال الفنان "بيكاسو": كل طفل فنان، المشكلة هي كيف تظل فنانا عندما تكبُر!"