على مدار الأيام الثلاثة الماضية شهدت القاهرة وعدد من المحافظات المصرية عدة تفجيرات متتالية فصل بين بعضها ساعات، وبين بعضها الآخر دقائق، وبين بعض منها مجرد ثوان معدودات. وقد استهدفت هذه التفجيرات عدداً من أفرع الشركات متعددة الجنسية (مثل شركات الاتصالات)، وأقسام شرطة، ودار القضاء العالى، وأضافت إلى ذلك عمليات استهداف جنود الجيش فى سيناء. نحن أمام عمل هادف، لا يعتمد على مجرد التفجير الاعتباطى الانتقامى، بل يسعى إلى تحقيق أهداف معينة، ويريد أن يبعث للعالم برسالة محددة، ملخصها أن النظام الحالى غير قادر على حماية الاستثمارات العالمية، لأنه عاجز عن حماية نفسه.
من المفهوم بالطبع أن الذين يقفون وراء هذه التفجيرات يبذلون غاية جهدهم هذه الأيام من أجل ضرب المؤتمر الاقتصادى، منتصف الشهر الحالى. وأتصور أن هذه المسألة معلومة بالنسبة لأولى الأمر فى هذا البلد. فمؤكد أن الأجهزة الأمنية تتحسب منذ فترة لمحاولات يمكن أن يقوم بها خصوم النظام لإفشال المؤتمر، وعندما يأتى الأداء على هذا النحو ونشهد تلك السلسلة المتعاقبة من التفجيرات على مدار الساعات الماضية، فمن حقنا أن نقرر أن ثمة شيئاً خاطئاً فى الأداء، أو أن نكرر هذه العبارة التى كتبتها كثيراً تعليقاً على أداء هذه الأجهزة، عبارة «فيه حاجة غلط»! ويبدو أن أجهزة الأمن لا تستوعب الطريقة (المعلنة وليس السرية) التى يتحرك بها الإرهاب حالياً. أقول (معلنة) لأنها بالفعل كذلك، يكفى فى هذا السياق أن تتابع صفحة «شهيد بولسين» الأمريكى الذى أسلم ويخطط مع الخلايا الإرهابية العنقودية التى تعمل الآن فى مصر لما يطلق عليه «الثورة مفتوحة المصدر»، ويوجه إلى القيام بتفجيرات لا تستهدف الأفراد، قدر ما تسعى إلى ضرب المصالح، وعلى وجه التحديد مصالح الشركات متعددة الجنسية. كرر «بولسين» هذه التوجيهات مراراً، وكل توجيه يعقبه تفجير نوعى من هذا الطراز. ولست أدرى أين وزارة الداخلية من صفحته على «الفيس بوك»، كى تحمى رجالها وأقسام شرطتها فى أقل تقدير!
ومن يتابع الإعلام الغربى يستطيع أن يستخلص بسهولة أن الرسالة التى يستهدف الإرهاب أن يبعث بها إليه وصلت، وتترسخ يوماً بعد يوم، والنتائج السلبية التى يمكن أن تترتب عليها فيما يتعلق بالمؤتمر الاقتصادى تبدو قريبة. وقد دعم الأداء الساذج للحكومة الذى أدى إلى إيقاف الانتخابات البرلمانية القناعة فى مفهوم «الاضطراب» و«الارتباك» الذى ترى العديد من الدول أن مصر تعيشه حالياً. وخصوم النظام الحالى لا يريدون أكثر من ذلك، وهم فى كل الأحوال لا يكترثون بالثمن الذى يمكن أن تدفعه مصر نفسها -بعيداً عن شخص من يحكمها- جرّاء ما يفعلون، والمؤسف فى الأمر أن بعض المسئولين لا يدركون من ناحيتهم خطورة النتائج التى يمكن أن تترتب على أدائهم العاجز المترهل، ولا يلتفتون لفكرة أن مصر والمصريين هم من سيدفعون الثمن فى النهاية، فذلك لا يهم الطرفين من قريب أو من بعيد. يذكر «هيكل» فى كتابه «من المنصة إلى الميدان» أن مبارك قال فى معرض رده على سؤال حول توريث الحكم لنجله: «أورّثه خرابة؟!». ويبدو أن الكثيرين يتعاملون بمنطق «أنا ومن بعدى الخرابة»!